يقول المستشرق والمنصّر الأمريكي زويمر عن أمّة الإسلام وكتابها القرآن: “إنّه لأوّل مرّة في التاريخ كتاب يصنع أمّة”.. لقد صدق الرجل وهو كذوب، هذه الأمّة الذي صنعها وكوّنها وجعلها خير أمّة أخرجت للنّاس هو القرآن الكريم، جيل الصّحابة الّذي نزل فيه القرآن لم يتخرّج من الجامعات ولا المدارس العليا، ولم يقرأ الفلسفة ولا كتب الحكمة، وإنّما تخرّج في مدرسة القرآن، كان مصدره القرآن وحده.لكن ما السرّ في تميّز الصّحابة ووصولهم إلى ذلك المستوى؟ ما الّذي جعلهم يصلون إلى القمّة بينما تعجز الأجيال اللاحقة أن تكون مثلهم رغم وجود القرآن والسّنَّة، ومع أنّ الإمكانات والتطوّر في الأجيال اللاحقة كانت أفضل؟الجواب هو أنّهم كانوا يتعاملون مع القرآن الكريم بطريقة مختلفة، لم يكونوا يقرأون القرآن من أجل الاستزادة من المعلومات والثّقافة، أو من أجل التمتّع بأسلوب القرآن وجماله ويقفوا عند هذا الحدّ، وإنّما كانوا يقرأونه بنية تلقّي الأوامر لتنفيذها في واقعهم، ليتربوا عليها كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال: “كنّا نقرأ العشر آيات لا نتعدّاها إلى غيرها حتّى نعمل بها فكنّا نتعلّم العلم والعمل معًا”. ويبيّن لنا عبد الله بن عمر الفرق بين جيل الصّحابة والأجيال الّتي جاءت بعدهم في التّعامل مع القرآن فيقول: “لقد عشنا دهرًا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السّورة على محمّد صلّى الله عليه وسلّم فنتعلّم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، ثمّ عشنا دهرًا وأحدنا يؤتى القرآن قبل الإيمان فيَحفظ أحدنا ما بين الدِفَّتين (يقصد القرآن كلّه) ولكن لا يتعلّم حلاله ولا حرامه ولا زاجره” هذا هو الفرق بين الاثنين. والّذي ساعدهم على الوصول إلى تلك القمّة وجود الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الّذي كان يمثّل الصّورة التّطبيقية للقرآن الكريم كما قالت عائشة رضي الله عنها: “كان خُلقه القرآن” بينهم.إنّ هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلّا لمَن أقبل عليه بهذه الرّوح، روح التلقّي للعمل والتّطبيق، وليس مجرّد القراءة للتمتّع ببلاغته وجمال أسلوبه والاستزادة من علومه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات