يحار العاقل من البشر الّذين أكرمهم الله بالعقل والتّفكير، فيراهم في تدبير شؤون حياتهم الدّنيوية في القمّة، فإذا جاء إلى دينهم وموقفهم من الدّين الحقّ رأى العجب العجاب من الرّأي التّالف والتّفكير السّقيم والتّعامل المعوج مع الآيات البيّنات.لقد بيّن الله عزّ وجلّ في قاعدة محكمة وآية مبيّنة أصناف النّاس بالنسبة إلى الاستجابة إلى الحقّ، فقال وقوله الحقّ: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}. يقول الإمام الطبري: [يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم: لا يكبُرنّ عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك، وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربّهم والإقرار بنبوّتك، فإنّه لا يستجيب لدعائك إلى ما تدعوه إليه من ذلك، إلاّ الّذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحقّ، وسهَّل لهم اتباع الرُّشد، دون مَن ختم الله على سمعه، فلا يفقه من دعائك إيّاه إلى الله وإلى اتّباع الحقّ إلّا ما تفقه الأنعام من أصوات رُعاتها، فهم كما وصفهم به الله تعالى ذكره: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ}، {والموتى يبعثهم الله}، يقول: والكفّارُ يبعثهم الله مع الموتى، فجعلهم تعالى ذكره في عداد الموتى الّذين لا يسمعون صوتًا، ولا يعقلون دعاء، ولا يفقهون قولًا إذ كانوا لا يتدبّرون حُجج الله، ولا يعتبرون آياته، ولا يتذكّرون فينزجرون عمّا هم عليه من تكذيب رُسل الله وخلافهم]. [أي أنّ الّذين يستجيبون لنداء الحقّ هم الّذين يسمعون بآذانهم وقلوبهم مصدقة؛ لأنّ هناك فارقًا بين سماع ظاهره سماع وباطنه انصراف، وبين سماع ظاهره طاعة وباطنه محبّة لهذه الطّاعة. ونعلم أنّ استقبال المسموع شيء، وانفعال الإنسان بالمسموع شيء آخر].ومصداق هذه القاعدة قوله تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}. فلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا غيره يقدر أن يُفِهم الحقّ من طبع الله على قلبه فأماته؛ لأنّ الله قد ختم عليه أن لا يفهمه وخذله، {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} يقول: ولا يقدر أن يسمع ذلك من أصمّ اللهُ عن سماعه سمعه، إذا هم أدبروا معرضين عنه، لا يسمعون له لغلبة دين الكفر على قلوبهم، ولا يُصغون للحقّ، ولا يتدبّرونه، ولا ينصتون لقائله، ولكنّهم يعرضون عنه، وينكرون القول به، والاستماع له. وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات