38serv
يرددون الأغاني الحماسية “نحن جند العاصفة نحن موت بلا عاطفة “ و “لا شما ولا دخان لا خرجة ولا نسوان، نحن نحن جند جند جند”، ينتظرون ساعة اختفاء الشمس من وراء جبال التاسيلي أزجر حتى ينعموا بشرب الماء، يعدون أيام رمضان بالدقائق وليس بالساعات.. درجة الحرارة هنا تفوق الـ50 مئوية، رغم التعب الشديد قرر أغلب الجنود وعناصر الدرك الوطني صوم رمضان في تحدٍ جديد وقد رافقنا عددا منهم. يكاد الجبل الذي تعمل فيه الوحدة المتقدمة المراقبة التي يعمل بها خالد، وهو جندي متعاقد في الجيش الوطني الشعبي، يلامس السماء.. ويخيل إليك وأنت ترى هذا المكان المرتفع ونقاط المراقبة فيه أن الشمس لا تلفح الجلد هنا فقط بل وتشويه أيضا، فمجرد الوقوف تحت أشعتها لدقائق يحيل البشرة نحو السواد، فما هو حال من يقضي 8 ساعات من الخدمة في الحراسة هنا؟ وفي هذه الظروف يخدم خالد ومعه آلاف الجنود.مسابقة الصبر على الصومنحن الآن في منطقة تين أوسن في ولاية إليزي وهي موقع قريب من الحدود الليبية، وصلنا إلى المكان في آخر أيام شهر شعبان، الحرارة هنا شديدة، تتعدى 55 درجة تحت الشمس وتفوق 48 في الظل، مجرد البقاء بضع دقائق تحت هذه الشمس الحارقة يعد مجازفة، فكيف بالنسبة للذي يحرس الحدود ويفرض عليه واجبه أن يتواجد هنا طيلة اليوم. وفي منطقة أخرى قريبة من معبر تينالكوم الحدودي يراقب الجنود الجانب الآخر من الحدود وأصابعهم على الزناد، يدركون أن أي غفلة منهم ستؤدي إلى كارثة يدفع الوطن كله ثمنها. ويتواجد عشرات الآلاف من الجنود وعناصر الدرك وحرس الحدود الذين فرضت عليهم الأوضاع المضطربة في دول الجوار، خاصة مالي وليبيا، التواجد في هذه المناطق ذات المناخ شديد الصعوبة. ويعمل هؤلاء في وحدات عسكرية مشتركة تحرس الحدود وتراقب الممرات الصحراوية لمنع تهريب المخدرات والأسلحة، وفي مكافحة الإرهاب، وتنقسم إلى مجموعات يتخصص بعضها في مراقبة الحدود ويتواجد في نقاط ومواقع أقامتها وزارة الدفاع في السنوات الأخيرة. يحمل أحد الجنود قرب نقطة مراقبة في “زالة” بولاية إليزي عبوة ماء سعة 3 لتر، ليس من أجل شربها، بل من أجل تبليل قطعة قماش يضعها تحت خوذته المعدنية. تتراوح درجة الحرارة هنا بين 46 و48 درجة مئوية في الظل وتقع نقطة المراقبة التي نقف قربها على حافة الطريق الوطني رقم 3.حرب فتاوى جديدةقال عسكري يعمل في حراسة الحدود بولاية إليزي: “يدرك الإرهابيون والمهربون فيما وراء الحدود أن فرصتهم الذهبية هي في شهر رمضان، يحاولون استغلال صوم الجنود وعناصر الدرك من أجل تنفيذ عمليات التسلل، مدركين أن الصوم يقلص من أداء الجندي في الميدان، ولهذا فإننا نحاول أن نكون أكثر يقظة الآن”. جهاديو سوريا يفطرون!تعيش ساحة مكافحة الإرهاب في أقصى الجنوب وقرب الحدود الليبية، هذه الأيام، على وقع حرب جديدة هي حرب الفتاوى التي تبيح للجنود الإفطار في شهر رمضان عند اقتضاء الضرورة. وفي الجهة المقابلة، يتداول عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد وكتيبة الملثمين عدة فتاوى تبيح الإفطار في شهر رمضان لـ”المجاهدين”، وأهم هذه الفتاوى وأشهرها للشيخين ابن القيم وابن تيمية، حيث قال الشيخ ابن القيم في “زاد المعاد” في ما معناه أن الإفطار مباح للمجاهد إن تيقن من ملاقاة العدو، أما الشيخ ابن تيمية فقد نقل عنه ابن قيم أنه أَفْتَى للْعَسَاكِرَ المسلمين لَمَّا لَقُوا الْعَدُوَّ بِظَاهِرِ دِمَشْق بالإفطار، مشيرا إلى أن الْفِطْرَ في قتال العدو أَوْلَى مِنَ الْفِطْرِ لِمُجَرَّدِ السَّفَرِ، بَلْ إِبَاحَةُ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ تَنْبِيهٌ عَلَى إِبَاحَتِهِ للمجاهد الذي هو أَحَقُّ بِجِوَازِهِ، لِأَنَّ الْقُوَّةَ هُنَاكَ تَخْتَصُّ بِالْمُسَافِرِ، وَالْقُوَّةَ هُنَا لَهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ الْجِهَادِ أَعْظَمُ مِنْ مَشَقَّةِ السَّفَرِ، وَلِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْحَاصِلَةَ بِالْفِطْرِ لِلْمُجَاهِدِ أَعْظَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ بِفِطْرِ الْمُسَافِر.وتؤكد منتديات السلفيين الجهاديين أن الجهاديين في جبهة النصرة في سوريا يعملون بهذه الفتوى، كما أن الجهاديين في أغلب فروع القاعدة في العراق وأفغانستان والجزائر عملوا بهذه الفتوى، وقد أكدت إحدى صفحات منتدى أنصار المجاهدين على جواز الإفطار.يخوض جنود الجيش الوطني الشعبي وعناصر الدرك الوطني وحرس الحدود مسابقة غريبة في مناطق الحدود الشرقية مع ليبيا، حيث يحاول كل منهم التأكيد بأنه صائم وأن صوم رمضان في ظروف شديدة القسوة لم يؤثر فيه، وأنه قادر على الصوم والعمل تحت الشمس الحارقة في أسخن الأيام، وبات إظهار الصوم وهو عبادة يتقرب بها الصائم لله نوعا من تأكيد الشراسة والرجولة والقوة بين الرجل في أحد أسخن المناطق فوق سطح الأرض. ويتفنن خالد وهو جندي مشاة متعاقد في وحدة عسكرية تعمل على الحدود بين الجزائر وليبيا، في تحضير مخبأ خاص ليس للوقاية من العدو بل للوقاية من الشمس الحارقة والاحتماء من الحرارة الشديدة أثناء فترة الحراسة فوق موقع متقدم على الحدود الجزائرية الليبية، يقع في أعلى قمة مرتفع، التقينا به في مدينة عين أمناس أثناء فترة راحة حصل عليها من قيادة الكتيبة. يقول خالد إنه عمل طيلة شهر جوان في تحضير المخبأ من أجل الاحتماء من أشعة الشمس أثناء فترة الحراسة، وكل هذا حتى يتمكن من صوم شهر رمضان والتأكيد أنه الأجدر في مسابقة الصوم “لا يرغب أغلب رفاقي في الإفطار في هذه الظروف لأن الإفطار يعني الضعف ونحن لسنا ضعفاء”. ويضيف “قبل أيام قليلة فقد أحد زملائنا الوعي، وبعد أن نقل إلى عيادة الكتيبة تبين أنه يعاني من حالة إرهاق شديدة وضعف عام، والسبب أن الشاب البالغ من العمر 21 سنة فقط أفطر طيلة الأيام الثلاثة الأولى من شهر رمضان بالماء فقط ولم يتناول سوى كمية قليلة جدا من الطعام، فانهار بعد 3 أيام من الصوم. أما بالنسبة لخالد فإن هذا هو صيفه الثاني في الصحراء وبات خبيرا بها، ويمكنه تحمل الصوم 16 ساعة في حرارة تتعدى 48 درجة طيلة أغلب ساعات النهار.من يفطر؟ لا أحدبدأنا في البحث عن ظروف صوم الجنود وعناصر حرس الحدود والدرك الوطني، وتقدمنا لأكثر من جهة بطلبات لإعداد تقارير حول ظروف عمل الجنود خلال شهر رمضان هذه السنة، لكننا لم نتلق ردا إيجابيا، رغم أننا راسلنا جهات مختصة بالبريد. وبالنسبة لضابط كبير في الدرك الوطني في إليزي، فإن الأمر صعب ويحتاج لقرار من وزارة الدفاع، بينما قال لنا ضابط كبير آخر في الجيش الوطني الشعبي إن موضوعا مثل هذا هو من اختصاص مديرية الإعلام والاتصال والتوجيه التابعة لوزارة الدفاع، وهنا فضلنا إعداد التحقيق ميدانيا بالاعتماد على شهادات عسكريين وعناصر من الدرك الوطني.يقول تيجاني، وهو عسكري متقاعد عمل في ولاية تيندوف خلال الثمانينيات من القرن الماضي، “كنا نتداول فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية تبيح للجندي والمجاهد في سبيل الله الإفطار وكانت تخص المقاتلين في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، ورغم الفتوى فإن أغلب الجنود كانوا يفضلون الصوم والسبب بسيط لأن لا أحد يرغب في قضاء الأيام التي أفطر فيها خلال شهر الصوم”. ويضيف “كان قائد الوحدة يسألنا عن المفطرين ضمن السرية فلا يجيبه أحد، وهذا رغم وجود أعداد كبيرة من الجنود الذين عملوا بالرخصة أو الفتوى”.وزارة الدفاع لا تأمر الجنود بالإفطارأثناء بحثنا في موضوع صوم الجنود في ظروف بالغة الصعوبة، علمنا أن وزارة الدفاع الوطني لم تصدر أوامر للجنود بالعمل وفقا للفتاوى التي تبيح الإفطار في نهار رمضان بالنسبة للجنود، وفضلت على ما يبدو ترك الأمر للمبادرة الشخصية لكل جندي وحالته البدنية على أن لا يسمح للمفطر بعذر بالإفطار علنا، وتقرر في هذا الصدد تخفيف الأعباء عن الجنود خلال شهر رمضان دون الإضرار بمصلحة الجيش ومهام الوحدات الميدانية. وقد تقرر في العام 2012 انتهاج نظام مداومة جديد في شهر رمضان، يسمح للجنود بالحصول على ساعات راحة أكبر بعد رفض الغالبية العظمى من الجنود الإفطار في رمضان، رغم وجود رخصة شرعية تبيح ذلك، وفي الجانب الثاني يستفيد الإرهابيون من فتاوى تسمح لهم بالإفطار.ويرى بعض العسكريين السابقين أن الإفطار بالنسبة للجندي أفضل من الصوم، ذلك أنه يقويه على تحمل مشقة الخدمة التي يؤديها لعموم المواطنين. وحسب السيد تيجاني، فإن ضباطا سامين في الجيش الوطني الشعبي يؤمنون بهذه الفكرة لأن فائدة إفطار الجندي للمجتمع أكبر بكثير من صومه في مثل هذه الظروف. ورغم هذا، فإن الغالبية العظمى من الجنود في الصحراء يواصلون الصوم. وقال ضابط سام في الدرك الوطني يعمل في ولاية تمنراست: “أريد أن أوضح بأن الفتوى التي تبيح الإفطار قديمة ولا صلة لها بالظروف الحالية ولا يوجد أي تعميم أو أمر يفرض على الجنود الإفطار، لكن القيادة بالمقابل تلزم الدركي والجندي بأداء واجبه على أكمل وجه وهو ما يفرض أحيانا على الجنود الإفطار لكن حالات الإفطار نادرة”. ويضيف المتحدث “رفض أغلب الجنود في الجيش هنا العمل بفتوى تبيح الإفطار في شهر رمضان وهم يتحملون مشقة الصوم في هذه الظروف القاسية، وقد قررت القيادة اتخاذ بعض الإجراءات هدفها توفير الراحة للجنود وصف الضباط والضباط العاملين في ظروف صعبة وسط الصحراء المفتوحة”. وأضاف المتحدث “رغم العطش الشديد، فإن الغالبية العظمى من الجنود يفضلون الصوم وقد فسرت القيادة هذا بأن أغلب الجنوب يتنافسون على إكمال يوم الصوم من جهة ومن جهة ثانية فإن الجنود هنا لا يرغبون في قضاء أيام الصوم بعد انتهاء شهر رمضان”.إجراءات لمواجهة التعب والإرهاق أثناء الصوماعتمدت قيادة الجيش الوطني الشعبي والدرك الوطني وسلاح حرس الحدود، طريقة للتعامل مع الظروف المناخية القاسية في الجنوب خلال شهر رمضان لمساعدة الجنود على تحمل مشاق الصوم في حرارة شهر جويلية القاسية، وهذا بسبب تمسك الغالبية العظمى من الجنود وعناصر الدرك بصوم رمضان رغم وجود الكثير من الفتاوى التي تبيح الإفطار. وتضمنت الإجراءات تقليص ساعات المداومة والخدمة في المناطق المفتوحة خلال ساعات النهار، ورفع تعداد العناصر في كل دورية حتى يستفيد كل عنصر من فترة راحة أطول، وتغيير نظام المداومة في الحواجز الثابتة ونقاط المراقبة، وتوفير المراوح ومكيفات الهواء حتى في نقاط المراقبة المعزولة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات