لماذا زكاة الفطر في يوم العيد؟ وما حقيقة العيد؟

+ -

 إن مظاهر التّكافل الاجتماعي في الأمّة الإسلامية عديدة ومتنوّعة، ذلك أنّ الإسلام يدعو إلى التّعاون والرّحمة، فلا فضل للغني على الفقير إلاّ بالتّقوى، قال تعالى: {إنّ أكرَمَكُم عند اللهِ أتقاكم إنّ اللهَ عليم خبير} الحُجرات:13. وزكاة الفِطر فرضها الله لحِكم عديدة، من بين تلك الحكم أنّها تعمل على إدخال الفرحة والبهجة في قلوب جميع المسلمين الّذين وفّقهم الله لصوم رمضان غنيّهم وفقيرهم، فلا يذل يوم العيد مسلم ولا يمدّ يده سائل أو محروم. ذهب جمهور العلماء إلى فرضية زكاة الفطر بدليل ما ثبت من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: “فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر على النّاس من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كلّ حرّ أو عبد أو ذكر أو أنثى من المسلمين” رواه البخاري ومسلم. فمن خلال هذا الحديث تتبيّن لنا فرضية زكاة الفطر على جميع المسلمين ذكرانًا أو إناثًا صغارًا أو كبارًا، أغنياء أو فقراء ملكوا قوت يوم أو ليلة، وهي تلزم الرّجل عمّن ألزمه الشّرع النّفقة عليه كالزّوجة والأولاد والوالدين يخرجها من غالب قوت البلد، وغالب قوت البلد في الجزائر هو القمح ومشتقاته، ومقدارها صاع والصّاع عبارة عن أربعة أمداد بيدي رجل معتدل قدّر بـ3كلغ وزيادة يسيرة أو نقصانًا حسب التّقديرات المختلفة.وبما أنّ زكاة الفطر فرضت لإدخال الفرحة في قلوب الفقراء يوم العيد كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أغنوهم عن السّؤال في هذا اليوم” أخرجه الدارقطني والحاكم وغيرهما وهو حديث ضعيف، فإن وقت إخراجها محدّد قبيل العيد، فروى ابن القاسم عن مالك أنّها تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر، وروى عنه أشهب أنّها تجب بغروب الشّمس من آخر يوم رمضان.وعلى هذا اختلف العلماء: هل تجب زكاة الفطر على المولود يولد قبل الفجر من يوم العيد أم لا؟ فقد ذهب الجمهور إلى أنّ إخراجها أفضل فهي ليست ثقيلة ولا مكلّفة بما لا يُطاق. بعد صوم شهر كامل فيه من الخيرات ما علمنا وما لا يعلمه إلاّ الله تعالى، فرضت علينا زكاة الفطر، الّتي هي بمثابة سجود السّهو بالنّسبة للصّلاة يُجبر بها ما وقع للصّائم من لغو أو رفث أو غفلة يوم العيد، يوم الفرح واللّهو المشروعين ليكون فرصة للقاء الأحباء ولجمع الأسر ولتآلف القلوب فيعمّ الحبّ والصّفح والعفو في المجتمع كلّه. ولقد شرعت صلاة العيد في السنة الأولى من الهجرة، ودليل مشروعيتها من الكتاب قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَر} الكوثر:2. وفي السُّنَّة ثبت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلّي صلاة العيدين وأوّل عيد هو عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة. وأجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيدين، حيث يجتمع المسلمون للصّلاة وللتّكبير ولسماع الخِطبة الّتي تتوسّطها جلسة خفيفة، ليتوجّه بعدها بعضهم إلى بعض بطلاقة وجه يلقي التّهنئة ويقول: “تقبّل الله منّا ومنكم”، فيتصالح المتخاصمون ويتواد المتحابون في الله وتوصل الأرحام. ونذكر في هذه الكلمات بهدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم العيد، فهو قدوتنا وأسوتنا الحسنة والّذي نرجو بالتأسّي به دخول الجنّة.كان من هديه صلّى الله عليه وسلّم أن يأكل قبل خروجه لصلاة العيد تمرات يأكلهنّ وِترًا، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “ما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فطر حتّى يأكل تمرات ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أقلّ من ذلك أو أكثر وترًا” أخرجه البخاري. وكان من هديه صلّى الله عليه وسلّم يوم العيد أن يلبس أجود لبسه وأن يتطيّب ليذهب إلى المسجد ويحضر صلاة العيد مع جمع من المؤمنين. وعلى المؤمن أن يكثر من التّكبير من ليلة العيد وخاصة عند خروجه لحضور الصّلاة “صلاة العيد”، قال تعالى: {لِتُكَبِّرُوا اللهَ على ما هَداكُم} الحجّ:37. ومن هديه صلّى الله عليه وسلّم أنّه يخرج إلى الصّلاة من طريق ويرجع من أخرى، قال جابر: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “إذا كان يوم عيد خالف الطّريق” أخرجه البخاري. ومخالفة الطّريق أدعى للقاء عدد كبير من إخوانه المسلمين ليبادلهم التّهنئة، ولقد روي أنّ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كانوا إذا التقى بعضهم ببعض يوم العيد قالوا: “تقبّل الله منّا ومنكم”. كما يجوز للمرأة الحائض أن تخرج إلى المُصلّى يوم العيد لتشهد الخير والبركة ودعاء المسلمين، كما ثبت من حديث أمّ عطية رضي الله عنها قالت: “أمرنا أن نَخرج العواتق والحيّض في العيدين يشهدن الخير ودعوة المسلمين ويعتزل الحيّض المُصلّى” رواه البخاري ومسلم. ولنجعل العيد فرحة للتّصافي والتّصالح والتّحاب والتّواد.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات