باريس تستفرد بالطائرة والجزائر في دور الـ “كومبارس”

38serv

+ -

السياسة مثل الطبيعة تكره الفراغ، ولما كان هناك فراغ في حادثة الطائرة المنكوبة المستأجرة من قبل الخطوط الجوية الجزائرية جراء سوء تسيير ملفها من قبل الحكومة الجزائرية، كان من السهل على باريس أن تدخل على الخط وتستفرد بحطام الطائرة وبالجثامين وبالصندوقين الأسودين وحتى بتحديد أسباب الحادثة ما بين الظروف المناخية ومتاعب الطيارين وغيرها من الأسباب التي تعاقب على تمريرها المسؤولون و”الخبراء” الفرنسيون عبر وسائل الإعلام المختلفة، في مسعى لتحديد خريطة طريق خلاصة نتائج التحقيقات. واكتفى الجانب الجزائري بالتشبث بما تقوله اتفاقية “شيكاغو” حول حوادث الطيران، بينما في الواقع كانت فرنسا ورئيسها أصحاب الشرعية في تسيير الطائرة المنكوبة بحجة تواجد 54 راكبا فرنسيا ضمن عداد الضحايا.رغم مسارعتها إلى تنصيب خلية أزمة تجاوزتها الأحداثالجزائر سيّرت حادثة الطائرة المنكوبة بعشوائية في الوقت الذي كانت القنوات الفرنسية تبث الصور الأولى لحطام الطائرة المنكوبة في منطقة قوسي بمالي، كان وزير النقل عمار غول يحمل في يديه صورا ورقية قال إنها “حية” وهي مع الأسف “ميتة” أو جامدة تعكس لوحدها الفارق في التوقيت الزمني بين باريس والجزائر في التعاطي مع رحلة 5017 التي قضى فيها 116 مسافر منهم 6 جزائريين و54 فرنسيا.ظهرت الجزائر وكأنها تلعب دور “كومبارس” وليس اللاعب الرئيسي في هذه الحادثة، باعتبار أن الطائرة المنكوبة مستأجرة من قبل الخطوط الجوية الجزائرية، وهي شركة عمومية تابعة للدولة الجزائرية، وليست ملكية فرنسية، كما أن مكان سقوط الرحلة رقم 5017 كان أقرب إلى العاصمة الجزائر منها إلى باريس، غير أن الذي وصل إلى مكان الحادثة هم الجنود الفرنسيون، رغم توفر الجزائر على إمكانات لوجيستيكية تمكنها من ذلك.وبعد إعلان سلطات باريس عن أن جنودها عثروا على الصندوقين الأسودين اللذين سينقلان إلى فرنسا لإجراء التحريات عليهما، خرج وزير النقل ليقول بأنه كلف من قبل رئيس الجمهورية للتنقل إلى بوركينافاسو ومالي لتقديم العزاء، حيث أعلن التلفزيون الجزائري عن العثور على الصندوقين الأسودين فقط وكأنهما لا يعنيان الجزائر.للإشارة، فإن السلطات في أوكرانيا سلمت العلبتين إلى ماليزيا باعتبارها صاحبة الطائرة المنكوبة وليس إلى هولندا، رغم مقتل العديد من رعاياها في تلك الحادثة. واكتفى رئيس خلية الأزمة بأخذ صور صحبة الصندوقين الأسودين اللذين تقرر إرسالهما من قبل إلى باريس، بعدما كلف مكتب التحقيقات والتحاليل الفرنسي لسلامة الطيران وحركة النقل بـ”استنطاق” ما بهما من معلومات. فلماذا فرضت باريس قرارها بالاستفراد باستنطاق الصندوقين ولم ينقلا إلى واشنطن، حيث تملك الولايات المتحدة خبرة كبيرة في المجال وتعد طرفا “محايدا” في هذه الحادثة لعدم وجود رعاياها من بين الضحايا؟رغم رفض لعمامرة في تصريحات لإحدى القنوات الخاصة، التعليق على تصريحات بعض أطراف التحقيق قائلا “لست هنا من أجل إصدار أحكام على طريقة تصرف باريس أو بماكو أو بيروت”، إلا أنه ضمنيا اعترف بوجود تقصير في التعاطي مع الطائرة المنكوبة “لا نقول إن الدولة الجزائرية مثالية في تعاملها مع الأزمات والكوارث الطبيعية ولا توجد أي دولة يمكنها أن تخطط وتنفذ بطريقة علمية لمأساة تتم خارج حدودها”. هذا التقصير في تسيير الأزمة من جانب السلطات الجزائرية، دفع أكثر الرئيس هولاند في خرجاته الإعلامية وتصريحاته المثيرة، لجعل من رحلة 5017 وكأنها قضية داخلية فرنسية، لاغيا كل الأطراف الأخرى بما فيها الجزائر وإسبانيا الجهات الوصية على الطائرة المستأجرة، دون ذكر مالي وبوركينافاسو اللتين استسلمتا من البداية لرغبات باريس ومطالبها.ويكون هذا الأمر وراء اضطرار الجزائر، بعد فوات الأوان، لتطلب من الحكومة الفرنسية تقديم توضيحات بشأن التصريحات التي نسبتها وسائل الإعلام الفرنسية إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بخصوص تأكيده على نقل كل جثامين ركاب الطائرة إلى باريس، في عبارة كررها مرتين، تحمل تعديا صريحا على سيادة الدول. وفتحت نيابة باريس في نفس اليوم تحقيقا قضائيا في “القتل غير المتعمد نتيجة الخطأ أو التهور أو عدم الانتباه أو الإهمال أو الإغفال عن واجب الحذر أو السلامة الذي يفرضه القانون والنظام”، مثلما ذكرت وكالة “فرانس برس”.   باريس تحولت إلى المعني الأول بالطائرة المنكوبةهولاند يريد ابتزاز الجزائر فقط لأن أغلب ركاب الطائرة المنكوبة المستأجرة من قبل “الجوية الجزائرية” التي تحولت إلى رماد بمالي فرنسيون، تحولت باريس إلى المعني الأول بالنكبة.والنكبة ليست سهلة على الجزائر لما يتعلق الأمر بضحايا أجانب خاصة إذا كانوا فرنسيين، ويهم الرجل الأول بالإيليزيه أن يستجمع نكبة الطائرة لصالحه، شخصيا وبالنسبة لبلده أيضا. ودوما كانت فرنسا تتعاطى مع ملفات دولية بمنطق استرجاع المصلحة أو تحويل النكبة الآنية إلى مكسب لاحق، ما يسعى فرانسوا هولاند إلى تحقيقه بغرض تحسين شعبيته، رؤية بصم عليها مستجوبون ضمن سبر آراء طرحته صحيفة لوفيغارو قبل ثلاثة أيام، وأفرز نتيجة قال فيها الفرنسيون إن رئيسهم “فعل أكثر مما كان ينبغي فعله” وبالعامية الجزائرية “زاد عليها”. هولاند تعامل مع حادث طائرة الخطوط الجوية الجزائرية بمنطق “قضية وطنية فرنسية”، من خلال تصريحات متعاقبة خلال فترات قصيرة، يوم النكبة واليوم التالي له، تبين اهتمام رآه الفرنسيون أنفسهم أنه اهتمام زائد عن اللزوم، حتى وإن كان اهتمام رئيس برعاياه مسألة مبدأ.السؤال المطروح: هل يريد الرئيس الفرنسي ابتزاز الجزائر، من خلال استغلال مأساة الطائرة التي قتل فيها 54 فرنسيا؟ أولى المؤشرات تنحو إلى هذه الفرضية، وتتعلق بتصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الاثنين، بقوله إن طاقم الطائرة المنكوبة طلب العودة إلى مكان الإقلاع بسبب اضطرابات جوية تثني عن التحليق العادي، وقد قوبل الطلب بالرفض، ما يعني أن من رفض الطلب مشرفو طيران جزائريون، وبالتالي تحميل الجزائر المسؤولية، ومثل هذه التهمة تبدو من خلال خرجات مسؤولين فرنسيين “جاهزة” وموضوعة على الجانب، كتحصيل حاصل لتحقيقات سوف لن تخرج في نظر الرئيس الفرنسي عن خطأ بشري “جزائري” قتل مواطنيه. وهولاند له تجربة مع عائلات فرنسية فقدت ذويها في أحداث مختلفة، أهمها الاختطافات والقتل التي كانت تحدث بمالي، أما بخصوص الطائرة المنكوبة فقد سجلت أول دعوى قضائية من قبل عائلة فرنسية (فيرونيك غينيست) فقدت أربعة من أفرادها في حادث التحطم، ضد مجهول بتهمة القتل غير العمدي.ومهما يكن، فإن باريس ليس من عادتها المرور على مثل هذه الملفات مرور الكرام، وللجزائر معها قصة عنوانها “تيبحيرين” (تصريح القاضي الفرنسي المكلف بالتحقيق في مقتل الرهبان بداية جويلية، قال إنه لا يفهم لماذا لم ترخص الجزائر له بالدخول لتشريح جماجم الضحايا)، تماما مثلما لاتزال تداعيات حادثة “لوكربي” عالقة بأذهان الفرنسيين، بل إن الغرب كله يفكر بمنطق “الكل يدفع ثمن الخطيئة”، والأمر ينطلي أيضا على اعتداء “تيڤنتورين”، وحتى وإن أقر الرئيس بوتفليقة تعويضات لعائلات الضحايا الفرنسيين، لا يبدو أن باريس تغفل عن التفاوض بشأن قيمة تعويضات، تتم برائحة “ابتزاز”، من خلال رفع سقف التعويض لإرضاء عائلات الضحايا من جهة، ولتحقيق إنجاز فرنسي خارجي من أجل إرضاء الرأي العام الداخلي. وخارج منطق الابتزاز ومساعي ليّ الذراع، فإن من يدفع تكاليف التحقيقات بخصوص الطائرة المنكوبة، من البداية إلى النهاية، هي الجزائر، ومعلوم أن طواقم أمنية كبيرة بمن فيهم ضباط وجنود فرنسيون يوجدون بمكان تحطم الطائرة، علاوة عن الأمنيين الأفارقة، على رأسهم البوركينابيون والماليون، ما يعني أن فاتورة سقوط الطائرة تدفعها الجزائر وتزيد هذه الفاتورة كلما طالت نتائج التحقيقات أكثر.حوارالدبلوماسي ووزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي لـ”الخبر”الجزائر لم تتعلم شيئا من تيڤنتورينكيف قرأت تعامل السلطات الجزائرية مع حادث تحطم الطائرة في الجانب المتعلق بالمعلومة؟ تأخر السلطات الجزائرية ليس مفاجئا، لأن هذه الطريقة لا تخرج عن طبيعة النظام الذي يريد أن يحتكر المعلومة على مستوى المركز دائما. الأمر ليس راجعا لكفاءة الخطوط الجوية الجزائرية أو الإعلام المؤسساتي، فلو ترك الأمر للتقنيين لما حصل كل هذا الارتباك. لكن للأسف القرار السياسي في الجزائر لا يفوض التقنيين في تناول هذه الأمور. في بلادنا ظل كل شيء تتحكم فيها القرارات الأمنية والديبلوماسية، حتى أن تعامل السلطات الجزائرية لم يكن ليختلف في شيء لو جرى هذا الحادث قبل عشرين سنة!  من وحي خبرتي الشخصية في مناصب أستطيع القول إن النظام في الجزائر لايزال يتعامل بنفس نمط ثورة التحرير، معتقدا أن السلطة دائما في يد من يملك المعلومة، بينما قيمة الخبر ليست في كتمانه وإنما في كيفية تسييره وتوظيفه والتعامل معه.ما هي الأسباب التي تجعل من السلطة في الجزائر لا تتعلم من أخطاء سابقة في التعامل مع حوادث مشابهة؟ في حادث من هذا النوع، يحتكر رئيس الجمهورية والمؤسسة الأمنية المعلومة، بينما تكون الخطوط الجوية الجزائرية والإعلام المؤسساتي في معزل عن الحدث رغم أنهم الأقدر على التعامل معه. يعني ذلك ببساطة أن هناك انقطاعا بين السلطة التي تتحكم في القرار والسلطة المفسرة (الإعلام المؤسساتي). يرجع ذلك بالأساس إلى أن أصحاب القرار الأمني والسياسي في الجزائر لا يشعرون بأدنى مسؤولية أمام الشعب والبرلمان، لغياب أي سلطة مضادة يمكنها أن تحاسب تصرفاتهم. المشكلة أيضا أن الجزائر حاليا تمشي بوتيرة رئيسها الذي يعطيه الدستور الحالي صلاحية قيادة السياسة الخارجية. لدينا وزير للخارجية في المستوى، وإذا أعطيت له الصلاحيات بإمكانه أن يفعل الكثير، لكن صلاحياته محدودة.  للأسف الجزائر لم تتعلم شيئا من حادث تيڤنتورين.هل سقوط ضحايا فرنسيين يبيح تدخل فرنسا في التحقيقات إلى هذا الحد؟ أرادت الجزائر من خلال ظهور الوزير غول رافعا العلبة السوداء إبراز سيادتها، لكن ذلك كان من حيث الشكل فقط، فالجزائر تعوزها الإمكانات للتحقيق في هذا الحادث. أما فرنسا من خلال تطويق مكان الحادث بجنودها، فتريد التذكير بأن الطائرة سقطت في منطقة نفوذ لها، ما يجعل دور الجزائر ثانويا رغم أن الاتفاقيات الدولية في مجال الطيران تعطيها الحق في الحصول على الصندوق الأسود باعتبارها صاحبة الطائرة. أما الظهور الإعلامي الذي زاد عن الحد للرئيس الفرنسي، فموجه في جانب منه إلى الداخل، نظرا للظروف الصعبة التي يواجهها اقتصاديا ما أدى إلى تراجع شعبيته. لكن لا يمكن تحميل دولة أجنبية مسؤولية غياب الحكومة الجزائرية وضعفها. التضخيم الفرنسي أيضا كان لاعتبارات جيواستراتيجية، وللأسف كانت الضحية هي الخطوط الجوية الجزائرية التي مست سمعتها رغم أنها مصنفة كشركة آمنة دوليا.    الجزائر: حاوره محمد سيدموالرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بوجمعة غشير لـ”الخبر”لفرنسا الحق في المشاركة وليس الاستيلاء على التحقيقما رأيك في رد الفعل الأولي للسلطات الجزائرية حيال حادث سقوط الطائرة؟ لم يكن رد الفعل في المستوى المطلوب، ذلك أن السلطات الجزائرية ركزت على أن الطائرة مستأجرة وكأنها تقول لا مسؤولية لنا، في حين أن مسؤولية الخطوط الجوية تامة في ما حدث، فتذكرة السفر هي عقد بين الراكب والناقل، كما أن الطائرة تحلق تحت اسم الخطوط الجوية الجزائرية، ومن ثم يكون أخذ زمام المبادرة في التعامل مع الحادث داخلا في إطار السيادة الوطنية.صحيح أن الطائرة سقطت بعيدا عن الأجواء الجزائرية، لكن ما كان يجب فعله إزاء الحادث هو التحرك السريع باتجاه المناطق التي لها علاقة بالحادث، كالعاصمة البوركينابية التي أقلعت منها الطائرة أو العاصمة المالية التي سقطت في أجوائها، وليس فقط اكتفاء الوزير بالذهاب إلى المطار وانتظار الأخبار تأتيه من هناك.ما هي الحدود الموضوعية للتدخل الفرنسي في الحادث بالنظر إلى عدد الضحايا الفرنسيين المرتفع؟ مادام لفرنسا ضحايا في الطائرة من حقها المشاركة في التحقيق، لكن ليس الاستيلاء عليه. الملاحظ أن السلطات الفرنسية تجاوزت حدودها. القانون الدولي واضح وينص على أن الطرفين الأساسيين في التحقيق هما الجزائر التي تستأجر الطائرة ومالي التي سقطت في أجوائها. ومن حق بوركينافاسو باعتبارها مكان الإقلاع، وصانع الطائرة الأمريكي “ماك دوغلاس” ومالك الطائرة الشركة الإسبانية “سويفت أير” والدول التي لديها ضحايا في الحادث، المشاركة في التحقيق تحت إشراف أصحاب الحادث الحقيقيين. لكن، للأسف، الرئيس الفرنسي تصرف كرئيس دولة استعمارية، فمالي تابعة سياسيا لفرنسا، والجيش الفرنسي هو من قام بمعاينة الحادث. فرانسوا هولاند يعلم أن له سلطة في مالي وحظوة في فرنسا فتصرف وفقا لذلك، دون أن يدرك أن حديثه عن استعادة الجثث يعد إهانة لمشاعر الجزائريين.هل تشتم من وراء الضغط الفرنسي للحصول على الصندوق الأسود رائحة ابتزاز للجزائر؟ أتذكر أنه بعد سقوط طائرة وزير الخارجية الجزائري محمد الصديق بن يحيى، عرضت السلطات الفرنسية خدماتها لقراءة الصندوق الأسود للطائرة، لكن الخبراء الجزائريين رفضوا ذلك، وقالوا إن بإمكاننا القيام بالعملية لوحدنا. اليوم وبعد ثلاثين سنة من هذه الحادثة، تسلم الجزائر الصندوقين الأسودين للفرنسيين، رغم ما في ذلك من إهانة للخبراء الجزائريين. وحتى إن كانت هذه العملية تتطلب نوعا من الخبرة غير متوفر للجزائر، كان بالإمكان الاستعانة بأجانب لكن في أرضنا وتحت إشرافنا.أما القول بابتزاز الجزائر فهو غير مؤسس، لأن العملية تجارية بحتة والتعويضات تتم حسب ما هو موجود في القوانين، لكن كان ينبغي على السلطات الجزائرية أن تبادر ولا تترك المسألة في يد الفرنسيين، ثم تجادل عبثا بإظهار أنها ممسكة بالأمور.الجزائر: حاوره محمد سيدمو

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: