عقدة الوعي الذاتي عند الهزيمة

+ -

 إن هذه العقدة المعششة عند العرب تعطي عنهم ولأنفسهم صورة، بالهوية أو بالماهية، هي صورة معقدة. ذلك أن الصورة المطابقة لنفس العربي والسائدة عموما، والتي يحملها (يُشهِرُها؟) هو بنفسه شعوريا أو لا شعوريا، تعتمد على صراع بين تصورين متناقضين. فالتصور الأول يستند على منظور سياسي، والتصور الثاني يستند على منظور ثقافي. والتصارع بين هذين الشيئين يجعل وعي العربي الذاتي وعلاقاته بكيانه الحميم وعيا مهزوزا ومتذبذبا ومتوترا، حسب ظروف بعضها مصطنع وبعضها موضوعي وواقعي. ومن هذا التناقض ينبع موقف الرفض المطلق والتقزز الذاتي والقلق المحبط،  لذا جاء الإنسان العربي الواعي إنسانا مهزوما، يتأرجح بين موقفين: الانتماء لهوية ثقافية عامة، أساسها وحدة اللغة، والثاني يخص الانتماء لهوية إيديولوجية عامة، أساسها الدولة.ومما يزيد من تصعيد عقدة الوعي الذاتي عند الإنسان العربي هي القضية التي تعوّدنا أن نسميها القضية الفلسطينية، وهي في الحقيقة معضلة إسرائيلية، ذلك أن إسرائيل وكيانها كدولة قوية وطاغية ومتغطرسة ومجرمة، شكلت بؤرة مركزة لعلاقات العرب بالواقع المرير، تسببت في تشويش رهيب داخل الذات العربية الواعية، وفي انشطار فجّر شظايا الإنسان العربي وجعل منه إنسانا مهلوسا، كذلك جعل من الدول العربية، ومثال ذلك مصر، فارتبطت المقاطعة المطلقة لإسرائيل، كعدم ذكرها بالاسم مثلا من طرف جميع وسائل الإعلام الرسمية العربية، وكذلك من طرف المواطن العربي، خاصة أن هذا الموقف هو موقف تطيّري محض.وهكذا، أصبحت صورة هذا الواقع الغاشم والمر والوقح، أي واقع وجود إسرائيل كدولة ولا ككيان، تتراوح بين صورة شراذم اليهود (صورة عنصرية) الذين لا قيمة لهم وليسوا قادرين على تهديد العرب في عمق ديانتهم، فيغرق العربي في بحر التطيّر والتعصب الديني، إذ يبقى مقتنعا أنه إذا خسر الحروب والحياة الدنيا، فله الجنة والفردوس، وبين صورة إسرائيل الدولة، القلعة ذات المجتمع الصلد، العقلاني والمنتصر بعجرفته المعتادة وهمجيته المستمرة.وهنا يتضح هذا التعقد المعنوي عند الرجل العربي، وما إسرائيل إلا مثال من بين الأمثلة العديدة، يتميز بحساسية خاصة فقط. لأننا نرفض، إلى يومنا هذا، والإبادة الجنسية للشعب الفلسطيني مستمرة!  نرفض إذن حتى ولو محاولة فهم إسرائيل كنتاج استعماري إمبريالي (خاصة أن نخبتنا قرّرت منذ عقود أن هذه المصطلحات بالية وقد أكل الدهر عليها وشرب، وأصبحت هذه النخبة اليوم شريكة في جرائم الاستعمار والإمبريالية وشريكة في العولمة المقيتة وشريكة في أشياء كثيرة أخرى...) خبيث يلعب دورا أساسيا في الهيمنة الأمريكية. هنا يكمن المأزق! وهنا يتمزق الوعي الذاتي فيزيد العربي في التذبذب (أو في اللامبالاة)، ويصل أحيانا إلى حد الانبهار! الانبهار بالآخر والاعتراف بأنه هو: لا إنسان، خاصة ونحن نعلم أن الانتزاهية العربية لا حدود لها، وأن الكثير من المثقفين العرب تقمّصوا جبّة الجبن الفضفاضة، وسقطوا في جب الاستهلاك وهفوة الانبهار (مرة أخرى) بالرأسمالية، متجاهلين أن هذه الرأسمالية هي السبب الأول في انتشار الحروب وفي تقتيل الشعوب وفي فسخ ومحو الأجناس. لذا لاحظنا أن العقود الأخيرة عمّقت الهوة الموجودة بين المثقفين والناس.حقيقة، غزة كارثة ترتكبها الهمجية الإسرائيلية (وليست اليهودية كما يظن البعض، لأن أكبر الفنانين والعلماء الإسرائيليين يرفضون هذه الهمجية وينتفضون ضدها)، ويشارك فيها الفراغ والخيانة العربيان وعلى رأسها دولة مصر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: