+ -

 إن تطاحن الجدليات المختلفة القائمة منذ قرون، حول قدرات أو عدم قدرات المثقف على القيام بدوره داخل المجتمع الذي ينتمي إليه، مازال قائما إلى يومنا هذا، بطبيعة الحال، خاصة أثناء الأزمات والهزمات. ومن خلال هذه الجدليات، يبرز مشكل علاقة المثقف بالسلطة كمشكل قائم ودائم، له خلفيات مختلفة تدور كلها في مضمار السياسة والإيديولوجيا، وعلم النفس (كذلك!) وهذا ما يزيد في ثقل مسؤولية المثقف التائه بين “أناة” النرجسية و”ألهم” التي تستقطب وعيه وتجعله يتألم، ويحاول دائما إيجاد الحلول الحقيقية والملموسة لإغاثة الناس، كما كتب المقربزي. وهذه الوضعية تزيد من هشاشته لأنه كثيرا ما يلعب دورا مزدوجا يكون فيه هو الجلاد والضحية في آن واحد. ولأنه ـ كذلك وأحيانا فقط ـ يلعب دورا فردويا يكون فيه إما الضحية وإما الجلاد. وهكذا إلى ما لا حدود له.ومثل ذلك: موقف المثقفين العرب بالنسبة للدمار الشامل الذي أطاح بهم منذ بزوغ الإسلام السياسي (أو الإسلاماوية) المسلح والعنيف. ومثل ذلك موقف هؤلاء الأشخاص بالنسبة للسلطة السياسية والعسكرية التي تهيمن على شعوب المنطقة. فيتساءل الإنسان الواعي: ما هي ـ بالضبط ـ هذه السلطة؟ ما دورها؟ ما لعبتها؟ ما هي؟ من أين تأتي وإلى أين تذهب؟ولا يجد أحد الأجوبة الصحيحة على هذه الأسئلة خاصة ونحن نعلم أن تصرفات السلطة في مصر وفي فلسطين وفي العراق، تصرفات رهيبة ومجنونة، لا تهتم بالشارع وبمواقفه ولا تهمها تفجرات هذا الشارع. فموقف مصر من فلسطين ومن كارثة غزة لا يفهمه المواطن العربي العادي ولا المواطن الواعي. كما لم يفهم موقف الدولة المصرية إزاء حرب  سورية التي دمرت هذه البلاد بمساعدة حلفاء إسرائيل الموضوعيين من الحكام العرب.فالقائمة طويلة وعلى رأسها مأساة الجزائر أثناء العشرية القبيحة، حيث تركنا “إخواننا” فريسة للتعصب الديني وفريسة للهمجية المرضيّة.ونلاحظ عند قراءة الصحافة الجزائرية بعض التذبذب والالتباس والافتقار إلى نقد ذاتي صارم بالنسبة لتحاليلها الخاصة بسورية، مثلا، أو بالنسبة للانقلاب العسكري في مصر، مثلا، وكأن هذه الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية تقلد السلطة السياسية في البلاد وتزيد في الطين بلة لأنها تنتج رأيا هشا وغير واضح على الإطلاق. وهل سبب هذا الموقف الغامض هو المداهنة أو التدليس أو قلة الرياء؟وقد ساهمت عوامل أخرى كثيرة في الوصول إلى هذه النتائج الرهيبة والمخيفة التي أصبحت تهدد الحضارة العربية ـ الإسلامية برمتها وكذلك الإطار الجغرافي والاستراتيجي بكامله. لذا، فلابد من وقفة مراجعة وإعادة نظر والتوقف عن المسير نحو الهاوية التي أصبحت تكون خطرا حياتيا: الكينونة أو عدم الكينونة.وقد كتب الشاعر الكبير “أدونيس” في إحدى قصائده المنشورة في السبعينيات:هناك الحضور وهناك الغياب.. فنحن الغياب!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: