+ -

 إذا كانت الأحداث السياسية لا توجد معزولة عن بعضها البعض، بل ضمن كتلة كلية تندمج فيها جميعها كنسق من العناصر والعلاقات والصلات، فإن تفسيرها لا يتم إلا على مستوى الكل الذي يشكل جزءا منها (كنسق). وهذا هو ما جعل المدافعين عن فكرة التاريخ كنسق متكامل، في صراع وصدام مع كل نزعة عكسية. أي أن كل نزعة ترى التاريخ علاوة عن أجزاء وعوامل متفرقة لا ربط بينها، أي كعناصر معزولة أو تنظر إلى الكلية التي تشكل كل جزء منها كجمع من الوحدات المتجانسة أو كتجميع لوحدات منغلقة على ذواتها، أما النظرية النسقية فهي تقف، قبل كل شيء، عند العلاقات والصلات التي تجعل العناصر ممتلكة لقيمة أو لمعنى لا ينبعان من ذاتها بل من موقفها، كعناصر مترابطة ومتعلقة بعضها ببعض ضمن كلية ما وبذلك يتمظهر الحدث في مستوى يفلت من التجريبية أو الوضعية. 

وتصير ـ هكذا ـ علة وجوده في مستوى الكلية التي يندمج فيها وهي لا تخضع لتغيير كيفي وجذري. وليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه النظرية التي تحدد التاريخ كنسق متكامل، قد صنعت أول أسلحتها في النظرية الاجتماعية بدراسة المجتمعات القديمة أو الأنسقة الثابتة التي تخلفت عنها وأنها لم تحاول ـ إلا لاحقا ـ الظهور في ميدان التاريخ على الصعيد البرنامجي والملموس والواقعي، خاصة أن مادة التاريخ القاعدية ليست المجتمعات الكاملة والنموذجية والمتجاورة في الزمان والمكان، بل تغيرها وتطورها وتنقلها من الواحد إلى الآخر. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: