أوحى اللّه إلى موسى عليه السّلام أن يصدّهم عمّا تردوا فيه من جبن وعصيان، وأن يحملهم على قتال الجبّارين، ولكنّهم صمّوا آذانهم عن أمره، وأعرضوا عنه. ثمّ إنّ الرّجلين المؤمنين استنكرَا إحجام قومهم عن الجهاد، وحرّضاهم على طاعة نبيّهم، ودعيَا قومهما بأن يكلوا أمورهم إلى خالقهم بعد مباشرة الأسباب، وأن يعقدوا العزم على مبادرة أعدائهم بالقتال.غير أنّ هذه النّصيحة من هذين الرّجلين المؤمنين لم تصادف من بني إسرائيل قلوبًا واعية، ولا آذانًا صاغية، بل قابلوها بالتمرّد والعناد، وكرّروا لنبيّهم موسى عليه السّلام نفيهم القاطع للإقدام على دخول الأرض المقدّسة، ما دام الجبّارون مقيمين فيها؛ وتذرّعوا بأنّه لا طاقة لهم على مواجهتهم؛ لأنّهم قوم أقوياء أشدّاء. وأخبروا موسى أنّه إذا كان دخول هذه الأرض أمرا يهمّه، فإنّ عليه أن يذهب وربّه لقتال سكانها الجبّابرة، وإخراجهم منها. أمّا هُم فإنهم قاعدون في مكانهم، لن يغادروه؛ لأنّ قتال الجبابرة لا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.وعندما رأى موسى من قومه ما رأى من عناد وجُبن، لجأ إلى ربِّه يشكو إليه أمرهم، ويلتمس منه أن يفرق بينه وبينهم؛ لأنّهم ليسوا أهلاً لصحبته واتّباعه، ثمّ قال مخاطبًا ربّه: لقد علمتَ يا إلهي أنّي لا أملك لنُصرة دينك إلّا أمر نفسي وأمر أخي، أمّا قومي فقد خرجوا عن طاعتي، وفسقوا عن أمرك، وما دام هذا شأنهم، فافصل بيننا وبينهم بقضائك العادل، فإنّك أنت الحكم العدل بين العباد، وأنت أحكم الحاكمين.وأجاب سبحانه دعاء نبيّه موسى عليه السّلام، فأخبره أنّ الأرض المقدّسة محرّمة على هؤلاء الجبناء العصاة مدّة أربعين سنة، يسيرون خلالها في الصّحراء تائهين حيارى، لا يستقيم لهم أمر، ولا يستقر لهم قرار، فإنّ هذا جزاء كلّ مَن يعصي أمر اللّه، ولا يلتزم حدود شرعه. وكان لموسى عليه السّلام خبر آخر نقف عليه فيما سيأتي من مواضيع.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات