يدعو القرآن الكريم إلى تجريد المَشاعر والصّلات في قلوب الجماعة المؤمنة، وتمحيصها للّه ولدين اللّه، فيدعو إلى تخليصها من وشائج القُربى والمصلحة واللّذة، ويجمَع كلّ لذائذ البشر وكلّ وشائج الحياة فيضمها في كفّة، ويضع حبّ اللّه ورسوله وحبّ الجهاد في سبيله في الكفّة الأخرى ويدع للمسلمين للخيار.. قال عزّ وجلّ: {يا أيُّها الّذين آمَنوا لا تَتّخذُوا آباءَكُم وإخْوانُكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومَن يَتوَلّهم مِنكم فأولَئِك هُم الضّالون.. قُلْ إنْ كانَ آباؤكُم وأبناؤكُم وإخوانُكُم وأزواجُكُم وعشيرتُكُم وأموالٌ اقْتَرَفْتُموها وتجارةٌ تَخْشَوْنَ كسادَها وَمَساكنُ تَرْضَوْنَها أحَبَّ إليكُم مِنَ اللّه ورسولِه وجهادٍ في سبيله فَتَرَبَّصُوا حتّى يأتي اللّه بأمْرِه واللّه لا يَهدي الْقَوْمَ الْفَاسقين} التّوبة:23-24.إنّ هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكًا، فإمّا تجرّد لها، وإمّا انسلاخ منها، وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزّوج والولد والمال والعمل والمتاع واللّذة ولا أن يترَهبن ويزهد في طيّبات الحياة.. كلّا إنّما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحبّ، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة وهي المحرّكة والدّافعة. فإذا تمّ لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكلّ طيّبات الحياة على أن يكون مستعدًا لنبذها كلّها في اللّحظة الّتي تتعارض مع مطالب العقيدة.ومفرق الطّريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع، وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض.. فإذا اطمأن المُسلم إلى أنّ قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والأخوة وبالزّوج والعشيرة، ولا عليه أن يتّخذ الأموال والمتاجر والمساكن ولا عليه أن يستمتع بزينة اللّه والطيّبات من الرِّزق في غير سرف ولا مخيلة بل إنّ المتاع بها حينئذ لمستحب، باعتباره لونا من ألوان الشّكر للّه الّذي أنعم بها ليتمتّع بها عباده وهم يذكرون أنّه الواحد الرزّاق المُنعم الوهّاب.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات