شهادة مغربي عاد من جحيم سوق السلاح بليبيا

+ -

شهادة شاب مغربي شد الرحال إلى ليبيا منذ أواخر القرن الماضي بحثا عن حياة أفضل،إلا أنه تفطن إلى مدى الفوضى التي تعيشها ليبيا اليوم بسبب انتشار الأسلحة وعدم الاستقرار الأمني، ما دفعه، مثل أعدادا كبيرة من الأجانب المقيمين هناك، إلى الفرار من هذا البلد للنجاة بأنفسهم.  من مدينة بنسلميان، انطلق مروان قبل نحو عشرين سنة إلى ليبيا، كان ذلك سنة 1996، بحثا عن مستقبل أفضل، وحياة كريمة وأرقى مما تتيحه ظروف العيش في مدينته الصغيرة. كانت ليبيا يومئذ تحت حكم العقيد معمر القذافي، ورغم القبضة الحديدية التي كان يحكم بها العقيد المغتال، إلا أن الظروف المعيشية كانت جيدة للشاب المغربي القادم من بنسليمان.  وعندما تهاوى نظام العقيد وانهار، تحت خيمة "العزيزية"، يوم ثار عليه الثوار، وأسقطوه بالسلاح، مثلما وصل هو إلى الحكم على ظهر دبابة، إثر انقلاب عسكري، تغيرت ليبيا، ولم يجد آلاف الأجانب الذين كانوا يقيمون على أرضها قبل أن تثور ثورة الثائرين، انطلاقا من مصراتة، لتعم فيما بعد مختلف أرجاء البلاد، غير الفرار نحو بلدانهم، وكان من بينهم مروان.  "كنت كلما خرجت من بيتي الصغير المستأجر بحي الأندلس بالعاصمة طرابلس، والذي يأويني برفقة أفراد أسرتي الصغيرة، ينتابني شعور بأنني لن أصل إلى سيارتي"، يروي مروان جبيلو، عن الأيام التي قضاها في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي واستفحال الفوضى الأمنية.  مروان، الذي كان يشتغل مقاولا في مجال تجهيز واجهات العمارات بالزجاج والألومنيوم، لم يكن يخشى من أعضاء الفصائل الليبية المتناحرة فيما بينها، بل كان يخشى من زبنائه، فقبل الحرب كان مروان يوقع عقودا موثقة مع زبنائه، تضمن له حقوقه. غير أن ذلك صار مستحيلا، عندما انهارت الدولة، وصار السلاح يباع في كل شبر من الأرض.  ويروي المقاول الشاب لهسبريس عن تلك الأيام التي أعقبت انهيار نظام القذافي، في مثل هذه الأيام من سنة 2011، وشروع أركان الدولة الليبية في التفتت كقطعة سكر في قعر فنجان قهوة ساخن قائلا "عندما أغادر بيتي، ألتفت هنا وهناك، خشية أن يكون أحد زبنائي الطائشين يترصدني برصاصة مباغتة، تنطلق من مكان ما، أو برشة من فوهة رشاش كلاشنيكوف".  مصدر خوف المقاول المغربي الشاب، هو أن بعض زبنائه عندما صار مستحيلا توقيع عقود موثقة تضمن له حقه، بعد انتشار الفوضى الأمنية، لا يدفعون له المبلغ المالي المتفق عليه كاملا، وإذا رفض إتمام الأشغال، تصير حياته في كف عفريت، فالسلاح يباع في كل مكان، وبإمكان أي زبون غاضب اقتناء رشاش وإفراغ ما في جوفه من رصاص في جسد مروان.  ويروي قائلا "كلما خرجت من البيت ينتابني شعور بأنني لن أصل سيارتي، وبعد لحظات من ركوبها أشعر بشيء من الراحة، وعند بلوغي أحد الأوراش التي كنت أشرف عليها يعاودني شعور أسود أنني سوف لن أعود لبيتي ولزوجتي التي تركتها في البيت وأغلقت عليها الباب، فكيف لها بمعرفة خبر وفاتي وكيف يمكنها أن تتصرف من دوني؟ كيف وكيف وكيف؟".  أسئلة كانت ترهق تفكير مروان، منذ أن سقط نظام العقيد القذافي سنة 2011، وتحول أركان الدولة الليبية إلى رميم، وعندما لم يعد العيش مطاقا، وصار الجسد عرضة لرصاص ينطلق من فوهة بندقية أو رشاش تضغط على زناده سبابة زبون طائش، قرر المقاول الشاب العودة إلى مدينته الصغيرة بنسليمان، رفقة أسرته الصغيرة، تاركا خلفه كل شيء بحثا عن الأمن والأمان.  إلا أن قرار العودة إلى بنسليمان قبل ثلاثة شهور ليس قرارا نهائيا، فالعيش في ليبيا، بالنسبة لمروان، في حال استقرت الأوضاع الأمنية، أفضل من العيش في المغرب، من الناحية المادية، "هناك، في ليبيا، تستطيع أن تجني المال، وأن تنجح في حياتك المهنية بسرعة، أما هنا، فمن الصعب ذلك"، يقول مروان، ويضيف "هادوك الناس كلينا معاهم طرف الخبز، وإن شاء الله غادي نرجع إذا استقرت الأوضاع".   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات