نيويورك تايمز: لا سلام دائم في غزة دون حل الأسباب الحقيقية للصراع

+ -

الصراع الجاري في غزة هو الثالث من نوعه منذ عام 2008، وإن لم تعالج الأسباب الرئيسية لهذا الصراع، لن يكون لأية هدنة بين حماس وإسرائيل، أي جدوى، سوى في كونها استراحة قصيرة قبل اندلاع جولة جديدة من العنف.    بهذه المقدمة، تناولت نيويورك تايمز، في تقرير لها، تطورات الوضع في غزة، وأبدت الصحيفة دهشتها من عجز قادة العالم عن معالجة هذه القضية، والتي تعد أقل تعقيداً من قضيتي القدس والضفة الغربية.   وقدمت نيويورك تايمز لقرائها نبذة عن تاريخ القطاع وموقعه الجغرافي المميز، الذي اجتذب إليه قوى متصارعة منذ فجر الزمان.   تقول الصحيفة إن جميع الأطراف اعترفت بحدود قطاع غزة، وفق خريطة رسمت عند انتهاء الحرب العربية - الإسرائيلية في عام 1949.   وغادر آخر مستوطن إسرائيلي القطاع في عام 2005، بعدما قرر آرييل شارون انسحاباً أحادي الجانب، كما فعل إيهود باراك عندما قرر فك الارتباط مع جنوب لبنان في عام 2000.   ولا يوجد في غزة موقع تاريخي يتنازع عليه المسلمون والمسيحيون واليهود.  وتشير نيويورك تايمز إلى أن معظم الإسرائيليين يحلمون بالاستيقاظ ذات صباح ليكتشفوا أن غزة قد زالت، أو أنها ضمَّت إلى مصر، كصورة ملطَّفة لتلك الفانتازيا.   لكن قطاع غزة باقٍ بسكانه الذين يربو عددهم على 1.8 مليون نسمة، متكدسين داخل شريط تبلغ مساحته 365 كيلو متراً مربعاً.   ولكن كيف تحول هذا الشريط الساحلي المطل على البحر الأبيض المتوسط لأحد أكثر المناطق بؤساً في العالم.   وتقول الصحيفة إن المسافرين عبر العصور، تنبهوا لخصوبة تربة غزة، حيث كان واديها، الذي ينحدر نحو ساحل المتوسط، جنوب المدينة الحديثة، يعد ملاذاً للطيور المهاجرة والحيوانات الصغيرة.   وفي يوم ما، كانت غزة مصدراً رئيسياً للشعير في المنطقة، وأصبحت مؤخراً منتجة للحمضيات.   ولكونها تقع بين المتوسط وصحراء سيناء والنقب، أصبحت غزة على مفترق طرق الامبراطوريات القديمة.   وتؤكد نيويورك تايمز أن مدينة غزة الداخلية، نوعاً ما، والمتاخمة لميناء طبيعي، سُكِنت منذ ما لا يقل عن 3500 عاماً.   وذُكِر مؤخراً أن شبكة الأنفاق التي بنتها حماس اعتمدت على شبكة قديمة العهد بناها الإسكندر المقدوني، عندما حاصرت قواته الحامية العربية لثلاثة أشهر، ومن ثم أغارت على المدينة، وسلبت غنائم ملأت حمولة 6 سفن.   وبعد 1500 عام، بعد ظهور الإسلام، وخضوعها لاحقاً للصليبيين، أصبحت غزة أبعد نقطة غربية وصل إليها المغول، ومن ثم سيطر نابليون لمدة وجيزة على القطاع.   وفي عام 1906، اتفقت الحكومة البريطانية، التي سيطرت على مصر، مع الإمبراطورية العثمانية على الحدود بين جزيرة سيناء المصرية وولاية فلسطين، مع اعتبار رفح نقطة حدود بحرية، كما هو الحال اليوم.  وتلفت نيويورك تايمز إلى أن أول صراع إسلامي- يهودي، يعود لزمن الانتداب البريطاني، الذي بدأ في عام 1922.   وغادر اليهود الأصليون، وعددهم قرابة 54 يهودياً، المدينة في عام 1922 (رغم تلقيهم الحماية من جيرانهم العرب) عقب اندلاع اشتباكات في القدس والخليل، وفي مناطق أخرى من فلسطين.   وبحلول عام 1954، كان المستوطنون الصهاينة الأوروبيون يسيطرون على مساحة قدرها 4% من إجمالي مساحة القطاع، وكانوا يشكلون نسبة 2% من عدد سكانه.   وتعود نيويورك تايمز إلى وثائق تاريخية، لتشير إلى خطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة في عام 1947، والداعية لجعل غزة جزءاً من دولة عربية، بموازاة دولة يهودية جديدة.   لكن عند الإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل في 14 مايو(أيار) 1948، دخل الجيش النصري غزة، وغدا القطاع نقطة جذب للفلسطينيين الهاربين من جميع أرجاء فلسطين.   وأخذت إسرائيل في قصف غزة من البر والبحر والجو، رغم أن قوتها النارية كانت أكثر تقييداً مما نشهده حالياً، وبدأت جماعات بروتستانتية أمريكية في تمويل جهود الأمم المتحدة الأولى لرعاية اللاجئين المتدفقين على غزة، والذين لولا وجود صحراء سيناء، لكانوا تمركزوا عند أطراف القاهرة، كما فعل أمثالهم حول بيروت ودمشق وعمّان.   وأدار المصريون القطاع دون ضمه، على خلاف ما فعل الأردن في الضفة الغربية.   وتقول نيويورك تايمز إن إدارة مصر لغزة جعلتها معقلاً لنهضة وطنية فلسطينية، وُجِهتْ أحياناً ضد حكم عبد الناصر في مصر، أو أنها غدت وسيلة بأيدي الاستخبارات المصرية، التي دربت فدائيين لشن هجمات ضد إسرائيل.   ومن ثم شكلت غزة مصدر خطر دائم لإسرائيل، مما دفع الدولة الناشئة لشن عدوان، بدعم بريطاني وفرنسي ضد مصر بزعامة عبد الناصر، في عام 1956، حيث قُتِل في ذلك العدوان أكثر من ألف شخص من أصل 300 ألف كانوا يشكلون إجمالي عدد السكان.   وبعد أقل من 8 سنوات، تأسست في غزة منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964، وقد ضمت شخصيات وطنية شهيرة.   وتعود نيويورك تايمز، مرة ثانية لاستعراض تاريخ غزة الحديث، وتقول إنه إبان حرب الأيام الستة ضد جيرانها العرب، في يونيو(جوان) غزت إسرائيل القطاع في خلال ساعات، وسرعان ما انسحب الجيش المصري.   لكن المقاتلين الفلسطينيين واصلوا قتالهم ضد المحتل الإسرائيلي، طوال 4 أعوام تالية، وعندها رأى الجيش الإسرائيلي أنه من الأفضل لأمن إسرائيل، السماح بتشكيل قوة إسلامية، من أجل إضعاف وتحييد الوطنيين في القطاع، وهكذا أسس الشيخ أحمد ياسين حركة حماس.   لكن انقلب السحر على الساحر، كما تقول نيويورك تايمز، عندما شن جيل من الشباب اليائس، بعد 20 عاماً، في ديسمبر(كانون الأول) 1978، انتفاضة في غزة، سرعان ما انتقلت أصداؤها للضفة الغربية، وصادقت منظمة التحرير، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، على "حل الدولتين"، أي دولة فلسطين المستقلة، وتضم القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، كجزء من عملية قادت لاتفاق أوسلو.   ومن ثم جاءت محاولة اغتيال قائد المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، والتي اكتشفتها الاستخبارات الأردنية، مما أثار غضب الملك الراحل حسين، وعندها أُجْبر نتانياهو على إرسال عقار لمقاومة السم الذي حقن في جسم مشعل، ولإطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين(الذي اغتيل في عام 2004)، وبعد ذلك اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، في عام 2000.   وتمضي نيويورك تايمز للإشارة إلى حملة آرييل شارون ضد منظمة فتح، بزعامة ياسر عرفات، لتقوية شوكة حماس، حتى بعدما خلف محمود عباس عرفات، في عام 2006، حيث سيطرت الحركة بعد عامين على القطاع، وطردت فتح خارج غزة.   وفي عام 2008، غزت القوات الإسرائيلية غزة، كما قصفت القطاع في عام 2012، ولكن العدوان الأخير فاق في دمويته الحملتين السابقتين.   وترى نيويورك تايمز أن هناك وسيلك لإنهاء دورة العنف في القطاع، حيث يرغب الإسرائيليون في تجريد غزة من السلاح، ويطالب الفلسطينيون برفع الحصار.   كما تعتبر إسرائيل أن رفع الحصار ضروري لنزع السلاح، لأن فرضه يولد حاجة ماسة لجلب السلع الضرورية، والتي لا تتم سوى بواسطة التهريب عبر الأنفاق، والتي بدورها لا تموَّل إلا من خلال العملة الصعبة المحصَّلة عبر تبادل الأسلحة والمتفجرات.   وتختم الصحيفة تقريرها بالقول إن تدمير الأنفاق لا يتم عبر إرسال الدبابات الإسرائيلية إلى قطاع غزة، بل من خلال رفع الحصار، وإنعاش الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص عمل، وخاصة عندما نعلم أن أكثر من نصف سكان غزة عاطلون.  وبناءً عليه، يجب مساعدة غزة على إعادة بناء بنيتها التحتية، وتمكينها من بيع منتجات مزارعها وورشها، ومن حق سكانها التمتع بحرية الحركة.   وقد يكون من الأسهل طرح هذه الرؤية، عوضاً عن تطبيقها، لكن لا بديل عنها من أجل التوصل لسلام دائم في غزة. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات