كان موسى عليه السّلام متشوّقًا للحديث مع خالقه عزّ وجلّ والنّظر إليه، وقد أمره سبحانه أن ينقطع لمُناجاته أربعين ليلة؛ تمهيدًا لإعطائه التوراة؛ لتكون هداية ونورًا له ولقومه. وقبل أن ينقطع موسى لمناجاة ربِّه طلب من أخيه هارون أن يخلُفه في قومه، وأن يُراقِبَهم فيما يأتون وما يذرون؛ لضعف إيمانهم، واستيلاء الشّهوات والأهواء عليهم.ويبدو أنّ موسى عليه السّلام كان متوقّعًا شرًّا من قومه، ولقد صحّ ما توقّعه، فإنّهم بعد أن فارقهم استغلّوا جانب اللين في هارون، فعبدوا عجلاً جسدًا له خُوَار، صنعه لهم رجل يقال له السّامريّ.ولمّا وصل موسى إلى الميقات الّذي حدّده له ربّه خاطبه سبحانه من غير واسطة مَلَك، ثمّ التمس موسى من ربّه أن يراه، فأخبره سبحانه أن رؤيته في الدّنيا خارجة عن طوق أحد من البشر، وطلب منه سبحانه أن ينظر إلى الجبل، الّذي هو أقوى من أيّ أحد من البشر، فإن استقرّ مكانه حين يتجلّى له، ولا يتفتت من هذا التجلّي، فسوف يتمكّن من رؤيته سبحانه، وإن لم يستقرّ الجبل مكانه، بل تزعزع واضطرب، فإنّ رؤيته سبحانه غير ممكنة في الدّنيا.وحين تجلّى سبحانه للجبل على الوجه اللائق بجلاله، لم يثبت الجبل أمام عظمته سبحانه، بل تفتّت وسحق، فلمّا رأى ذلك موسى علم أن لا طاقة له برؤيته سبحانه، وسقط من هول ما رأى مغشيًا عليه، كمَن أخذته الصّاعقة. وعندما أفاق موسى من غشيته، وعاد إلى حالته الأولى، توجّه مُخاطبًا المولى عزّ وجلّ: إنّي أنزه جلالك أن تشبه أحدًا من خلقك في شيء، وإنّي قد تبت إليك من أن أسألك شيئًا خارجًا عن طاقتي، وأنا مؤمن كلّ الإيمان بعظمتك وقدرتك، وأنّه لا قدرة لأحد من البشر أن يَراك في هذه الحياة الدّنيا.ثمّ أخبر سبحانه موسى عليه السّلام أنّه اصطفاه على النّاس الموجودين في زمانه، وأخبره أنّ من جملة هذا الاصطفاء أنّه أنزل إليه التّوراة فيها هدى ونور، وأنّه كلَّمه بغير واسطة أحد. وأخبره أن يأخذ ما أعطاه من شرف النّبوة والمناجاة، وأن يشكُر اللّه على ما أنعمه عليه من نِعم لا تعدُّ ولا تحصى.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات