ثبت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة حُنين من أصحابه قريب من مائة، ومنهم مَن قال ثمانون، ضمنهم أبو بكر وعمر والعبّاس وعليّ والفضل بن عبّاس وأبو سفيان بن الحارث وأيمن بن أمّ أيمن وأسامة بن زيد وغيرهم رضوان اللّه عليهم أجمعين.ثمّ أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عمّه العبّاس وكان جهير الصّوت أن يُنادي بأعلى صوته: ”يا أصحاب الشّجرة” يعني شجرة بيعة الرِّضوان الّتي بايعه المسلمون من المهاجرين والأنصار تحتها، ألّا يفرّوا عنه، فجعل ينادي بهم: ”يا أصحاب السّمرة”، ويقول تارة: ”يا أصحاب سورة البقرة”، فجعلوا يقولون: ”يا لبّيك يا لبّيك” وانعطف النّاس فتراجعوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى إنّ الرّجل منهم إذا لم يطاوعه بعيره على الرّجوع لبس ذرعه ثمّ الحذر عنه وأرسله، ورجع بنفسه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا اجتمعت شرذمة منهم عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمرهم الرّسول الكريم أن يصدقوا الحملة وانهزم المشركون فأتبع المسلمون قفاءهم يقتلون ويأسرون، وما تراجع بقية النّاس إلّا والأسرى مجندلة بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.هذه هي المعركة الّتي اجتمع فيها المسلمين للمرّة الأولى، جيش عُدّتُه اثنا عشر ألفًا فأعجبتهم كثرتهم وغفلوا بها عن سبب النّصر الأوّل، فردّهم اللّه بالهزيمة في أوّل المعركة إليه ثمّ نصرهم بالقِلّة المؤمنة الّتي ثبتت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والتصقت به.إنّ معركة حُنَين الّتي يذكرها السّياق هنا ليعرض نتائج الانشغال عن اللّه والاعتماد على قوّة غير قوّته لتكشف لنا عن حقيقة أخرى ضمنية، حقيقة القوى الّتي تعتمد عليها كلّ عقيدة.إنّ الكثرة العددية ليست بشيء إنّما هي القلّة العارفة المتّصلة الثابتة المتجرّدة للعقيدة. وإنّ الكثرة لتكون أحيانًا سببًا في الهزيمة، لأنّ بعض الدّاخلين فيها، التّائهين في غمارها، ممّن لم يدركوا حقيقة العقيدة الّتي ينساقون في تيارها، تتزلزل أقدامهم، وترتجف في ساعة الشّدّة، فيشيعون الاضطراب والهزيمة في الصّفوف، فوق ما تخدع الكثرة أصحابها، فتجعلهم يتهاونون في توثيق صلتهم باللّه، انشغالًا بهذه الكثرة الظّاهرة عن اليقظة لسرّ النّصر في الحياة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات