+ -

 لا يمكن لأمة على وجه الأرض أن تبني مشروع نهضتها بالأفكار المجردة واللجاجة الفارغة والجدل العقيم والتفكير السقيم والتهريج والانغماس في اللهو والعبث، بل إن الحقائق والأفكار السامية التي يهتدي إليها الإنسان لا قيمة لها في ذاتها ما لم يتمثلها في نفسه فتصبح عمله ومشروعه الذي يطمح لتحقيقه والسعي لبلوغه وحياته الداخلية والخارجية، وهذه هي الحقيقة التي ظللنا نتجرع مرارتها منذ زمن طويل، وما زلنا.. وقد أشار أحمد أمين إلى هذا التناقض الذي يستبد بالإنسان المتخلف فيخل بتوازنه على مستوى التفكير والتقدير من جهة والتدبير والعمل من جهة أخرى، بقوله: ”قد يكون الإنسان فيلسوفا كبيرا وهو– في الوقت عينه– نذل خسيس حقير. وقد يحدثك الرجل عن أضرار الخمر والقمار فيمتعك بحديثه، ويصف لك ذلك أجمل وصف وأدقه، وهو مع ذلك سكير مقامر، لأنه في أفكاره غيره في أعماله..”.إذ لا قيمة للفكرة بلا عمل، لأن قوتها في ترجمتها إلى عمل وجعلها محل تجريب، فالعمل هو الذي يحيي الفكرة ويجسدها على أرض الواقع، لتصبح قوة دافعة جبارة أو سلطة نافذة نافعة، أو نهضة شاملة، أو تنمية مستديمة، وذلك هو الاستثمار الحقيقي لأنه يستهدف بناء الإنسان بوصفه محور التقدم والتطور.قال تعالى: ”يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون” (الصف، الآيتان 2–3).إن الخطوة الأولى في سلم الارتقاء الحضاري هي وضع ما وعته الحافظة واختزنته الذاكرة من أفكار وقيم، واستوعبه العقل من علوم وفلسفات ونظريات ومفاهيم، وكل ما اكتسبه المرء من مشاريع وخطط ومناهج ونماذج رائدة في البناء والإصلاح والتنمية، سواء أكان ذلك بالتجربة أم بالبحث والنظر، موضع تنفيذ وتطبيق، ثم النظر في أثر هذه المنظومة الفكرية والفلسفية والأدبية على مستوى العلاقات الاجتماعية والمعاملات الإنسانية لتبين مدى صلاحيتها وفعاليتها في تجديد الطاقات الكامنة، وإشاعة الوعي لتحقيق الوثبة الحضارية المنشودة . لقد ظلت ثنائية الفكرة والعمل محل اهتمام العلماء والمربين والحكماء وأهل الرأي على اختلاف الأزمان، وقد خلصوا جميعا إلى حقيقة مؤداها أن الفكرة تستمد قيمتها من العمل بها، وأن قوة العمل هي سليلة قوة العلم.يشير الشيخ البشير الإبراهيمي إلى الرباط الوثيق بين العلم والعمل بقوله: ”إن الحياة قسمان: حياة علمية وحياة عملية، وإن الثانية منهما تنبئ عن الأولى قوة وضعفا، إنتاجا وعقما، وإنكم لا تكونون أقوياء في العمل إلا إذا كنتم أقوياء في العلم..” .

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات