السلطة تعترف بالمعارضة على الورق وترفضها في الواقع

+ -

 وعدت السلطة بـ”ترقية دور المعارضة” في تعديل الدستور المقبل، ما يعني أن هذا الدور غير معترف به حاليا للمعارضة التي وجدت مبادراتها السياسية مرفوضة “جملة وتفصيلا”. لكن هذا الرفض هل هو نتيجة لرفض المعارضة المشاورات حول الدستور ؟ أم أن طبيعة النظام تجعله رافضا لكل شيء ما لم يولد من رحمه ؟اعترفت السلطة، لأول مرة، بأن يكون للمعارضة “دور” ما، ولكن في وثيقة تعديل الدستور المقبل، وليس قبله، ولذلك وإن تفاجأت بعض الأحزاب من ردود فعل أحزاب الموالاة الرافضة لمبادرة الانتقال الديمقراطي أو تلك المعترضة على مبادرة الإجماع الوطني، فإن ما قامت به السلطة ومن ورائها الموالاة، ليس سوى تنفيذ لقناعة متأصلة داخل منظومة الحكم منذ عقود، وهي عدم الاعتراف بأي شيء مهما كان، عندما لا توحي به السلطة أو تكون وراءه أو الحاضنة الرسمية له.هذا الواقع يغذي الاعتقاد السائد بأن السلطة تعترف بوجود معارضة على “الورق” فقط، وليس في الممارسة والواقع، وتردد ذلك في خطاب الحكومة التي قالت إنها تفاجأت بالأزمة النفطية ولم تتنبأ بها، بالرغم من خروج قيادات العديد من الأحزاب لتكذب ذلك وتقول إنها حذرت مرارا السلطة من التبعية الكبيرة للمحروقات، لكن هذه التحذيرات لم تؤخذ محمل الجد، ما يفهم منه أن السلطة لا تسمع لآراء غيرها وإن سمعت فإنها لا تأخذ بها.وتؤشر ردود فعل أحزاب السلطة إزاء مبادرتي “الانتقال الديمقراطي” لأحزاب التنسيقية أو “الإجماع الوطني” لحزب الأفافاس، على الجواب الظاهر حول “الدور” الذي ستكسبه “المعارضة” في وثيقة تعديل الدستور المقبل الذي قاطعت أغلب قوى المعارضة المشاورات حوله. فهل السلطة التي رفضت كل المبادرات السياسية المقدمة لها من أكثر من جهة، ستقدم على تنازلات في تعديل الدستور بالشكل الذي يعزز دور المعارضة، وهذه الأخيرة رفضت حتى المشاورات حوله؟لقد عملت السلطة، طيلة عقود، من أجل محو وجود أو آثار أي من السلطات المضادة سواء كانت حزبية أو نقابية أو مجتمعا مدنيا، اعتقادا بأن ذلك سيزيد من قوتها وسيطرتها على الأوضاع، لكن الأحداث الأخيرة بينت أن السلطة تدفع ثمن “تصحيرها” للحياة السياسية، من باب أنه لا يمكن وجود سلطة قوية من دون سلطات مضادة قوية، وهو الحاصل الآن، فرفض التحاور بشأن مبادرتي الأفافاس والتنسيقية، يعني أن السلطة تقيم الحجة على نفسها بأنها هي من تدفع للتغيير بواسطة الشارع من حيث تدري أو من حيث لا تشعر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات