38serv
كان شارد الذهن يدخن بعصبية. لَمْ يَنْبِسْ بِبِنْتِ شَفَةٍ طيلة لقائنا. فحاولت الانصراف بعد أن عجزت عن استدراجه في الحديث لكنه ألح علي بالجلوس. فأخبرني أن زوجته تغير مزاجها وأصبحت عصبية، بل عدوانية تخيف أبناءها. وتخشى البقاء بمفردها في البيت. إنها مرعوبة من الفكرة التي لا تفارقها: المكروه القادم الذي لا تعرف كنهه. وأضحت ممسوسة بالنظافة إلى حد إجهادنا وإثارة أعصابنا. فحاولت أن أواسيه بالقول إنها حالة نفسية ستختفي بزوال العوامل التي أفرزتها، وأن الطب النفسي قادر على معالجتها. فقاطعني بالقول: لقد وُجهت إلى صاحب عيادة نفسية قدير ولم أفلح في الوصول إليه. فلجأت إلى أحد أقاربه فأخبرني أن جدول مواعده مكتظ، ولا مجال لاستقبال زوجتي في عيادته إلا على الساعة السابعة صباحا! وأردف قائلا: أنت تعلم أن هذا الوقت غير مناسب. إنه وقت تَوْصِيل الأبناء إلى المدرسة والالتحاق بالعمل في زحمة سير غريبة. والعلاج النفسي يتطلب فترة طويلة.
أيعقل أن تعاني عيادات الأمراض النفسية كل هذا الاكتظاظ، ناهيك عن نشاط أمثال باللحمر الذي لا يتوقف؟ وتزعم بعض الصحف الجزائرية أن طالبي الشفاء على يدهم في تتزايد مستمر لتروج لقدراتهم على علاج الأمراض الروحية والبدنية. وربما يعود هذا التزايد إلى النظرة الخاطئة للمعالج النفسي. فالجزائر لا تختلف عن غزة. والطبيب النفسي أياد سراج يؤكد أنه كان يلتقي بمرضاه ليلا على شاطئها خوفا من أن يُتهموا بالإصابة بالجنون. وربما ساهم إخفاق الطب الحديث في علاج بعض الأمراض في التزايد المذكور. لعل الأطباء النفسانيون حاملو أسباب الناس؛ أي متاعبهم وقصصهم، يستطيعون الجزم بأن العشرية، التي تُوصف بالحمراء، ليست وراءنا، كما نعتقد. فجروحها لم تندمل بعد. وكروبها النفسية تلاحق الجزائريين. وقد تتفاقم بالأمراض التي يصفها الخطاب الرسمي، من باب التورية، بـ«الآفات الاجتماعية. وللقلق الدائم، وضياع المرجعيات، وانطفاء الأمل، والإحساس بالغبن الاجتماعي، والعجز عن تغيير الواقع، دورا في “تأهيل” الناس لمراجعة عيادات الطب النفسي”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات