+ -

يشغل ما يسمى تنظيم “داعش” الحيّز الإعلامي بشكل كبير والتطورات المهمة التي تنقلها وسائل الإعلام حول نشاطات هذا التنظيم جعل الكثيرين يهتمون بتفاصيل الحدث اليومي، دون التوقف عند محاولة ضبط المقاربات التفسيرية لنشأة هذا التنظيم وتطوره. وهذا المقال هو سياق مبسط يشرح ثلاث مقاربات مختلفة حاولت تفسير ذلك، وهذه المقاربات تختلف في طبيعتها كما تختلف في أثارها العملية.المقاربة الثقافية: تعتبر أن تنظيم “داعش” هو رد طبيعي على الاضطهاد الذي يتعرض له أهل السنة بالعراق، بمعنى أن فشل السياسيين السنة، وحتى قيادات العشائر، في حماية الحقوق السنية جعل سنة العراق يتقبلون وجود هذا التنظيم باعتباره الأقدر على حمايتهم من الاضطهاد الشيعي، والدليل أن المركز الأساسي لهذا التنظيم موجود في المحافظات السنية الكبرى.والملاحظ على هذه المقاربة أنها مقاربة محلية، بمعنى أنها تربط تواجد تنظيم “داعش” بالصراع الشيعي السني الذي يتركز في منطقة محددة، أي أنه لا يمكن لتنظيم “داعش” أن يتواجد في دولة ما إلا إذا كانت هذه الدولة تعرف صراعا شيعيا سنيا. فما يحدث في سوريا معرف في إدراك تنظيم الدولة الإسلامية على أنه “تصفية مقصودة من النظام العلوي الشيعي في سوريا” اتجاه أهل السنة هناك، كما أن بداية ظهور التنظيم في الأراضي اللبنانية في الحدود مع الدولة السورية هو دليل إضافي على أن هذا التنظيم لا يتواجد إلا في المناطق التي تعرف صراعا “سنيا – شيعيا”.المقاربة الأمنية: والتي تؤكد أن تنظيم “داعش” هو تجسيد لتطور الظاهرة الإرهابية في حد ذاتها، بحيث تم نقل النشاط الإرهابي من طابعه السري كما كان مجسدا في نشاطات تنظيم القاعدة، والذي كان تواجهه أجهزة الاستخبارات إلى الطابع العلني الذي يصطدم مباشرة مع الجيوش، مع توفر قدرة فائقة على استغلال الفوضى الناتجة عن فشل الدول، بمعنى أن تنظيم “داعش” لا يمكن أن يتواجد في دولة ما إلا بعد ثبوت حالة الفشل في هذه الدولة.والتعريف الأمني للدولة الفاشلة يرى بأنها الدولة التي تكسر فيها قاعدة الاحتكار الشرعي لممارسة القوة من قِبل السلطة المركزية بمعنى توفر سياق يجعل أكثر من طرف يمارس السلوك العنيف، وهذه المقاربة هي مقاربة عالمية لأنها لا تربط تواجد تنظيم “داعش” بسياق ثقافي معين، ولكن بالقدرة على استغلال حالة الفشل التي قد تتعرض لها الكثير من الدول.المقاربة التنظيمية: وهي المقاربة التي تعتبر أن تنظيم “داعش” هو نتاج المراجعات المختلفة داخل التنظيم الأصلي أي تنظيم القاعدة، بحيث توجت هذه المراجعات ببناء خط تنظيمي جديد يعيد ترتيب أولويات النشاط، ويظهر ذلك من خلال المقارنة بين تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، فالاختلاف المركزي بين هذين التنظيمين، حسب هذه المقاربة، يتعلق بفكرة مؤسسة التواجد فتنظيم القاعدة يفضّل عدم مأسسة تواجده، لأن سلوكه النزاعي يقوم على ما يسمى في علم النزاعات بـ«النزاعات اللاتماثلية” والتي تعتبر أن كل مناطق العالم هي مسرح للنزاع، بمعنى حيثما توفرت إمكانية لاستهداف مصالح الدول الغربية فذلك هو حيز النزاع.أما تنظيم “داعش” فيعتبر أن إقامة دولة مركزية هو قاعدة أساسية للنشاط، لأن ذلك يساعد على تحديد أهداف إستراتجية مضبوطة، وهذه المقاربة تجمع بين الطابع المحلي والطابع العالمي لأن مؤسسة التواجد لا يمكن أن تكون خارج سياق محلي معيّن، لكن النشاط يخضع لقاعدة التمدد لسياقات أوسع. فمثلما توجد دولة دينية في إيران تقوم على دعم التشيع في الكثير من دول العالم، فإن المطلوب هو إقامة دولة دينية سنية تقوم بدعم أهل السنة في كل مكان.*أستاذ الدراسات الأمنيةجامعة الجلفة[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات