التقى أمر أقطاب المعارضة في الجزائر على تأسيس وعاء يجمع شتاتهم، بعد سنوات من التشرذم والفرقة، فيه تتناقش الأفكار ولا تذوب الكيانات، اصطلحوا على تسميته “هيئة التشاور والمتابعة”. ورغم جدية هذا المسعى، من حيث وضوح فكرة الانتقال الديمقراطي الذي يسعون إلى تحقيقه، إلا أن تساؤلات كثيرة لا تزال تثار حول أساليب عمل هذه الهيئة ومدى قدرتها على هز عرين النظام القائم. نظريا، نجحت “هيئة التشاور والمتابعة” في جمع ما كان يصعب جمعه من حركات سياسية، تختلف في البرامج والرؤى السياسية، وتتنافر في الإيديولوجيات والمنطلقات، وتستند إلى تاريخ مليء بالصراع والمناكفات، وهي بذلك مدينة للنظام السياسي الذي جعل من الاتفاق على ضرورة رحيله أقوى عرى المعارضة في البلاد تماسكا، بما يدفن ولو إلى حين خلافاتها، التي كانت بالأمس تشكل حواجز لا يمكن معها الالتقاء. لكن استيعاب المعارضة لهذا الخليط غير المتجانس في وعاء واحد، لا يعني إغفال النظر في المحتوى وطرح التساؤلات. وقد بدأ البعض يشكك في مدى جدية أن يكون المعارضون للنظام هم ذاتهم أبناء النظام الذين عملوا تحت إمرته، خاصة من جانب الأحزاب التي كانت في السلطة وخرجت منها، وأيضا رؤساء الحكومات السابقين، علي بن فليس ومقداد سيفي وأحمد بن بيتور ومولود حمروش وسيد أحمد غزالي، رغم أن هذه الشكوك قد تسقط بمجرد النظر إلى الطريقة التي انسحب كل واحد منها من منصب المسؤولية. وبتجاوز هذه النقطة، تبرز إشكالية أخرى تتعلق بمدى قدرة هؤلاء على التحرك ميدانيا وتكبد مشاق العمل السياسي نظرا لعامل السن، خاصة في ظل نظام يضع كافة العوائق أمام معارضيه لتثبيط قدرتهم على المناورة والحد من نشاطاتهم، وعدم تعود هذا النوع من السياسيين، على العمل الميداني، واكتفائهم عادة بممارسة التنظير في المنابر التي يتاح لهم فيها التعبير. ويبرز العائق الثاني أمام المعارضة في معركة التغيير، في عدم امتلاكها حاليا القاعدة الشعبية التي تتيح لها الضغط على النظام القائم وفرض منطقها عليه. وبرز وعي رئيس الحكومة السابق، علي بن فليس، بهذه النقطة حينما قال، في اجتماع الأرسيدي الأخير، إن من مكاسب ندوة زرالدة أنها وصلت إلى أن “معادلة التغيير الديمقراطي لا يمكن إطلاقا أن تكتفي بعنصرين معروفين: السلطة والمعارضة. بل إنها معادلة تقتضي أن يكون صاحب الدور المحوري فيها والمؤثر الأول في حركيتها وحامل رايتها هو الشعب الجزائري نفسه ولا أحد سواه”. فهل ستقوم المعارضة بجهد ميداني لاستقطاب الشعب إلى كفتها؟ وهل تستطيع تبني خطاب يقنع الجزائريين بأن الخطر ينتظرهم في حال لم يحصل التغيير؟ هذه الأسئلة تقتضي معرفة برنامج العمل الذي سطرته المعارضة خلال اجتماعها الأخير، وما إذا كان جريئا لدرجة كسر حاجز الشارع الذي يعتبر “بعبع” النظام الأول. بقي عامل قد لا تكون المعارضة مسؤولة عنه هو الظرف الاقتصادي في البلاد، فاستمرار الوفرة المالية إلى سنوات أخرى، قد يجعل من أمر المعارضة في تحقيق هدف التغيير مستبعدا، لأن هذه الأموال التي يستعملها النظام في شراء السلم الاجتماعي والبقاء في الحكم، تعطي شعورا تخديريا لعموم الشعب، وهذا يتطلب جهدا جبارا في تبسيط المصطلحات الاقتصادية المعقدة وجعل الجزائريين قادرين على استيعاب أنهم يعيشون أزمة حقيقية لكنها مستترة! أما إذا بقيت المعارضة تمارس السياسة في جلسات الصالونات، فلا شك أن الرئيس بوتفليقة “مازالت تنتظره أيام مشرقة” كما تقول العبارة الفرنسية، قد لا ينغصها عليه سوى معاناته مع المرض.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات