+ -

 يقف المرء مشدوها لبعض الأفكار الخلاقة التي ينتجها هذا النظام ووزرائه، ويتساءل عن عبقرية هذه المدرسة التي تخرجوا منها، والأكيد أنها تتفوق على جامعة السربون بفرنسا أو كمبريدج ببريطانيا العريقتين، إذا تعلق الأمر باستغباء الشعوب واحتقار ذكائهم، خاصة وأن الأمر لا يتوقف عند استغباء الشعب الجزائري، الذي مل في الواقع من هذا النظام الذي يعرفه ويعرف قدراته على الكذب والمراوغة، بل يتعداه إلى محاولة استغباء الطرف الآخر وكل شعوب العالم خارج الجزائر. وهذا لعَمري يتطلب فعلا جرأة كبيرة ومخرجا عالميا لأفلام الخيال العلمي، حتى يترجم السيناريو الخارق الذي قدّمه وزير الاتصال حميد ڤرين في تصريحه مؤخرا، حيث دعا فيه وسائل الإعلام إلى تقديم صورة جيدة ومتفائلة عن الجزائر، كما اقترح إنشاء وكالة لتحسين أو ترقية أو تبييض أو تلميع أو اختلاق أو إبداع أو تخيل (لا يهم المصطلحات كلها صالحة في مثل هذه الحالات)، صورة جميلة عن الجزائر في الخارج.  ذكّرني تصريح الوزير حميد ڤرين بتلك النكتة التي انتشرت عن الراحل هواري بومدين خلال زيارة الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان إلى الجزائر، إذ عند مرور موكبه القادم من المطار على منطقة ”واد السمار”، أين كانت تتواجد المفرغة العمومية، أمسك الرئيس بومدين بأنف ضيفه وقال له مازحا ”أيها الشقي عندك زمن لم تزر الجزائر”، وهي حركة يستعملها الجزائريون للعب، لكن بومدين أراد من خلالها أن يسدّ أنف ضيفه كي لا يشتم رائحة ”واد السمار” النتنة ويحافظ على صورة الجزائر.. وعلى حميد ڤرين الذي يدعو الإعلام إلى ترقية صورة الجزائر، أن يتجاوز ما فعله بومدين حسب النكتة، التي تسخر من تواجد المفرغة العمومية على طريق مطار العاصمة الدولي، أن يلعب لعبة ”الغمّيضة” مع زوار الجزائر، حتى لا يروا بأم أعينهم الصور الراقية الحقيقية للجزائر، ولا أقول الجزائر العميقة، بل الجزائر العاصمة.والأكيد أن الوزير حميد ڤرين لا يقصد بترقية صورة الجزائر من ناحية المظهر العام المقرف والمقزز في كل مدنها، ولكن عن البرامج التنموية الوهمية، التي يتحدث عنها النظام منذ 15 سنة، والتي لم ترتق بالجزائر حتى إلى مصاف الدول النامية، ولا حتى دولة سائرة في طريق النمو، بل تقهقرت إلى دولة سائرة في طريق الانهيار، خاصة وأن التقارير الاقتصادية وتقارير التنمية تؤكد أنه مع استمرار انهيار سعر النفط، ستسوّد حياة الجزائريين ”أكثر مما هي مْسَوْدَة”، ولا يكفي معها، إن استمر الانهيار أكثر من هذا، بحر من الحبر، في قارة من الورق، لتبييض صورة الجزائر.ما ليس لي قدرة على استيعابه كمواطنة جزائرية، كيف يطلب الوزير ترقية صورة الجزائر في الخارج، بينما لا أحد في هذا النظام تهمّه فعلا ترقية حياة الجزائريين وصورة الجزائريين في مرآة أنفسهم أولا، لأن ما نعيشه في دواخلنا، كما يقول الفلاسفة وعلماء النفس، ينعكس على أفعالنا ونظرتنا للحياة. أليس غريبا أن نبحث عن رضا الخارج، بينما يعيش المواطن البسيط القهر الداخلي؟ كيف تطلب من أعمى أن يصف لك النور أو ألوان الحياة؟ إن وضعنا وما يطلبه وزير الاتصال بفكرته النيرة، ينطبق عليه المثل الجزائري ”يا لمبيّض من برا واش حوالك من الداخل”. وأما عن ثقافة التفاؤل فعلى الجزائريين أن يناموا كأصحاب الكهف بضع قرون، لعل وعسى يتغيّر الحال بعد استيقاظهم، لكن الخوف أن تلحقهم لعنة هذا النظام الذي يريد أن يعشش في الأفكار والقلوب وحتى العيون، كما عشش فوق الكرسي، حتى عند منامهم وبدل أن يروا الأحلام سيعيشون كوابيس النوم، كما هي كوابيس الحياة التي تنتظرهم بعد أن ينهار الذهب الأسود ،الذي بسببه اسودّت حياتهم. ورُب منفعة ضارة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: