يرى مراقبون أنّ تنظيم «داعش» تمكّنَ من خلط كلّ الأوراق في المنطقة، وفرض قواعد جديدة للّعبة عنوانُها تحالفات مرحليّة ولعِب من تحت الطاولة. لم يكن متوقّعاً أن يبدأ التحالف الغربي بتوجيه ضربات جوّية ضد معاقل «داعش» في الأراضي السورية في هذا التوقيت بالذات، نظراً إلى التحذيرات الساخنة التي أطلقتها موسكو من مغبّة انتهاك سيادة الدولة السورية تحت أيّ ذريعة، وهذا ما دفَع المراقبين إلى الاعتقاد أنّ واشنطن ستتخلّى عن هذا الخيار أقلّه حتى إيجاد صيغة تُرضي موسكو بالحدّ الأدنى، أو توجيه ضربات بالواسطة، أي عبر دوَل أخرى تندرج في حلقة التحالف، الأمر الذي لا يشكّل استفزازاً مباشراً لموسكو من قبلها. كنّ المعلومات المتوافرة لدى الروس تفيد بأنّ كلّ الدول الغربية المنضوية ضمن التحالف الدولي رفضَت أن تكون رأس حربة في مواجهة مع روسيا وحلفائها في العالم.لذلك لم يبقَ أمام الرئيس الاميركي باراك اوباما سوى إبلاغ دمشق بالضربات الجوّية، فأبلغتها إدارته عن طريق ممثل سوريا في الأمم المتّحدة بشّار الجعفري لكي لا يُحسَب على واشنطن إبلاغ مباشر عبر خارجية البلدين، في اعتبار أنّ الحديث وارد وهو في الأساس غير مقطوع بين مندوبي البلدين في الأمم المتحدة.ولكي لا تنتقد روسيا واشنطن على الضربات، اختارَ البنتاغون الإعلانَ عنها والكشفَ عن مشاركة دوَل عربيّة في تلك العمليات، وهو ما يَصبّ في خانة عدم إثارة حساسية موسكو مباشرةً، لأنّ الغطاء العربي متوافر لتلك الضربات، وبالتالي فإنّ موسكو غير معنية بتأزيم علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وحلفائها في المنطقة.وعلى رغم امتصاص دمشق الضربة الأميركية على أراضيها باكتفائها بتبليغ الجعفري، فإنّ ذلك لم يرُق لموسكو، التي اعتبرَت في بيان لخارجيتها أمس أنّ توجيه ضربات إلى مواقع داخل الأراضي السورية يتطلب موافقة دمشق وليس إبلاغَها من جانب واحد فقط، أو من خلال اتّخاذ قرار دولي في مجلس الأمن يحظى بإجماع جميع أعضائه.ولم يخلُ بيان الخارجية من تحذير الدول التي شاركت في إعداد هذه الطبخة مع الأميركيين، إذ إنّه أكّد أنّ المبادرين إلى تنفيذ سيناريوهات عسكرية أحادية الجانب سيتحمّلون المسؤولية كاملة عن عواقبها.أوساط الخارجية الروسية لم تنفِ استياءَها من اعتماد الولايات المتحدة أساليبَ ملتوية لانتهاك سيادة الدوَل، معتبرةً أنّه لا يمكن مكافحة الإرهاب بلا إطار دولي شامل، خصوصاً أنّ التجارب الماضية أثبَتت أن لا عنوان أو مواقع محدّدة للإرهاب، بل إنّه يطاول كلّ الدوَل بصرف النظر عن مواقعها الجغرافية وتركيباتها الاجتماعية.وتؤكّد الأوساط أنّ أنقرة لعبَت الدور الأساس في تسريع موعد الضربات في سوريا، وذلك بعدما شعرَت بخطر حقيقي يقترب من حدودها، إذ إنّ تدفّقَ عشرات آلاف الأكراد إلى تركيا سيزيد الأزمة الداخلية في البلاد، خصوصاً أنّ الأكراد لم ولن يتخلّوا عن حقوقهم الجغرافية في تركيا، وأنّ ازدياد أعدادهم ومعاناتهم سيدفعهم إلى خطوات تصعيدية تجاه الحكومة التركية، ناهيك عن أنّ مسلّحي تنظيم «داعش» باتوا على حدودها.وتتساءَل الأوساط عن سبب اختيار واشنطن توقيتَ الضربة في الوقت الذي كان فيه ديبلوماسيّو العالم كلّه على أراضيها أو يُحلّقون في أجوائها للمشاركة في اجتماعات الهيئة العامة للأمم المتحدة؟ وتختم بالتأكيد أنّ روسيا لن تنجرَّ إلى المخططات التي تعدّها واشنطن، وأنّها كانت منذ البداية ولا تزال تنادي بالحلّ السياسي والديبلوماسي للأزمة السورية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات