السلطة تخاطب العالم بـ”البيانات المقتضبة”

+ -

مقابل بيانين، واحد لوزارة الداخلية أكدت فيه اختطاف الرعية الفرنسي، والثاني لوزارة الدفاع أعلنت فيه مواصلة عملية التمشيط العسكري لاقتفاء أثر المختطفين، التزمت السلطة الصمت كما كانت عليه في اعتداء تيڤنتورين، ما يعني أن الاتصال المؤسساتي للدولة يعاني من مرض مزمن وليس بمقدوره استخلاص العبر. رغم أن حادثة اختطاف الرعية الفرنسي جرت بالجزائر وتبناها تنظيم إرهابي يتخذ من جبال منطقة القبائل معقلا له، غير أن طريقة تعامل السلطات الجزائرية مع هذا “الطارئ الأمني”، تكشف عن خلل كبير، من شأنه إرجاع كل المجهود في المجال الأمني وفي محاربة الإرهاب إلى نقطة الصفر، لأن سياسة الصمت لمسؤولي الدولة ووزرائها وترك المجال للآخرين، خصوصا الفرنسيين، لتحليل هذه الحادثة بمنطقهم الخاص، من شأنه أن يجعل مصداقية تصريحات المسؤولين الجزائريين على المحك بشأن “استقرار” البلاد وتحسن وضعها الأمني، بعدما كانت وزارة الخارجية تنتقد “النشرات الأمنية” للسفارات الأجنبية التي كانت تحذر رعاياها من التوجه للجزائر بحجة وجود “تهديدات أمنية”.وما يزيد من قوة علامات الاستفهام المطروحة بشأن صمت السلطات العمومية، خصوصا الوزارة الأولى والخارجية والاتصال، واكتفائها بتسيير حادثة أمنية ببيانات مقتضبة، في واقعة أخذت بعدا دوليا وانتشرت بسرعة البرق في مختلف أرجاء العالم، خاصة أن قضية تنظيم “داعش” توجد في واجهة الأحداث الدولية ومحل اهتمام قادة الدول الكبرى، أنها تحدث في توقيت سبقته حرب تصريحات وجدل سياسي بشأن تغييرات على رأس المؤسسة الأمنية والعسكرية وتغيير مصالح ومهام، اعتبرها البعض إجراءات عادية ورأى فيها آخرون بأنها على علاقة بحرب المواقع وموازين القوى داخل منظومة الحكم بين الرئاسة والجيش والمخابرات. وبغض النظر عن مدى حقيقة ذلك، فإن اختطاف رعية فرنسي من قبل تنظيم وليد النشأة يسمى “جند الخلافة” والذي أعلن منذ أسبوعين فقط ولاءه لتنظيم أبو بكر البغدادي “داعش”، يعد ضربة لجهود الجزائر في محاربة الإرهاب ويحسب كفشل في حق المؤسسة الأمنية، بغض النظر عن الظروف المحيطة التي سهلت عملية اختطاف الرعية الفرنسي بمنطقة تيكجدة المعروفة كمنطقة غير مؤمنة بالشكل الكافي، وهي من بين المعاقل التقليدية للنشاط الإرهابي المتمركز بمنطقة القبائل في السنوات الأخيرة.إن انتقال الإرهاب في الجزائر من دائرته المحلية، رغم تواجد جنسيات أجنبية في صفوف عناصره، إلى تدويله من خلال تنظيم “جند الخلافة” بالجزائر، بعد ولادته في العراق وسوريا، وتحقيق هذا الأخير في ظرف قياسي صدى إعلاميا كبيرا من وراء عملية اختطاف رعية أجنبي، تؤشر أن عملية إعادة الهيكلة للجهاز المخابراتي أخفقت ميدانيا. ويكون هذا الغموض - الذي رافق تلك التغييرات أو تلك المنتظر إحداثها من قبل رئيس الجمهورية بعد تعديل الدستور، مثلما سبق وأعلن عنها الأمين العام للأفالان - قد أحدث ما يسميه رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، “حالة الفراغ المتولدة عن الوضعية الصحية لرئيس الجمهورية التي رمت بظلالها في تعطيل مؤسسات الدولة”، كانت وراء “التعيينات الجديدة في بعض مؤسسات الدولة لا تخضع إلى أي مقياس أو معيار إداري أو وظيفي أو سياسي”. وحسب مقري، فإنها وضعية “تضع إطارات الدولة في حالة شخوص وجمود وانتظار لما تجود به صفحات الجريدة الرسمية”، وهو ما يفسر جزءا من سوء تعاطي مؤسسات الدولة مع الحادثة الأمنية لاختطاف الرعية الفرنسي، ما يعيد للأذهان نفس الخلل الذي وقع مع حادثة تيڤنتورين التي لا يزال ينبش فيها في الخارج.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: