38serv
مازالت الجزائر، بعد مرور 26 سنة من انتفاضة أو ثورة 5 أكتوبر، تبحث عن دستور جديد يؤسس لدولة القانون والحريات، ويحدد من هي السلطة ومن هي المعارضة ومن هي السلطات المضادة، ومازالت البلاد تبحث عن “إصلاحات” تولد وتترعرع وتكبر ولا تجهض في كل مرة، ليشرع في إطلاقها من جديد. الجزائر إلى أين؟ السؤال الذي طرحه المرحوم محمد بوضياف قبل أكتوبر وبعده، مايزال يبحث عن جواب، وكأن البلاد دخلت في أزمة يستعصي حلها وتفتقد لدواء لعلاجها، أزمة تصغر وتكبر مثل كرة الثلج تتدحرج من انتخابات لأخرى ومن استفتاء لآخر ومن برلمان لآخر، ومع ذلك مرت 26 سنة عن أحداث 5 أكتوبر وكل شيء بحاجة إلى إصلاح وتغيير جذري للخروج من ديمقراطية الواجهة والحقوق والحريات الشكلية، إلى فصل حقيقي ما بين السلطات واستقلالية للقضاء وحرية الصحافة وما إلى ذلك من أعمدة دولة القانون المؤجلة إلى إشعار آخر.اعترفت بأنها “ثورة” بعدما وصفتها بشغب أطفال ومؤامرةالسلطة استعملت 5 أكتوبر لخدمة أجندتها الخاصةلأول مرة تصف الحكومة ما حدث في 5 أكتوبر 88 بـ«ثورة “، بعدما قالت حينها إن تلك الانتفاضة الشعبية مجرد “شغب أطفال”، لكن هذا الاعتراف المتأخر لم يكن من أجل إعطاء كل شيء حقه، بل كان مجرد تسويق “النفي” باستحالة أن يقوم الشعب مرة أخرى بثورة “ربيعية”، على غرار ثورات الربيع العربي، وكان قولها في حكم “حق يراد به باطل”. لم يصدق الجزائريون، غداة قيام ثورات الربيع العربي في تونس ومصر، آذانهم وهم يسمعون مسؤولين جزائريين رسميين وليسوا متقاعدين، يتحدثون بعظمة لسانهم، أن الجزائريين قاموا بثورتهم قبل جميع العرب في 5 أكتوبر 88، بعدما ظلوا يسمعون من أفواه نفس المسؤولين أو يشبهونهم بأن ما حدث في الشارع منذ 26 سنة، كان “مؤامرة “، و«عبث صبيان”، ومنهم من قال إن العراك في هرم الدولة بين الزمر والأجنحة خرج الى الشارع ومنهم من ادعى أنها احتجاجات “مفبركة” لتحريك المياه الراكدة داخل الحزب الواحد سابقا “الأفالان”. لكن اعتراف نظام عبد العزيز بوتفليقة، من خلال تصريحات وزرائه، بأن ما حدث يوم 5 أكتوبر من سنة 1988، كان “ثورة شعبية”، لم يكن الاعتراف به رد للجميل، بعدما تسببت تلك الأحداث في عودة بوتفليقة نفسه من رحلة عبور الصحراء التي مر بها منذ وفاة الراحل هواري بومدين عام 79، من بوابة ندوة الإطارات للأفالان التي نظمها يومها المرحوم عبد الحميد مهري، ولكن كانت لحماية أركان نظام الرئيس الحالي من السقوط، بعدما انتشر ما يسمى بـ«ثورات الربيع العربي” مثل النار في الهشيم في دول الجوار شرقا وغربا. وكشفت تصريحات اعتبار 5 أكتوبر بـ«ثورة”، أن السلطة كانت “مكرهة” للاعتراف بذلك، لاحتواء الغضب الشعبي وعدم انسياقه وراء ما حدث في دول الجوار، ولذلك أعلن الرئيس عن “إصلاحات جوهرية”، شدت في البداية اهتمام الطبقة السياسية، لكن جاءت في صيغة “تمخض الجبل فولد فأرا”، بحيث صدرت خمسة قوانين عضوية تتعلق على التوالي بنظام الانتخابات، وحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، وتوسيع تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، الإعلام، وقانون الأحزاب السياسية وكذلك القانون المتعلق بالجمعيات، مع وعود حول تعديل الدستور الذي لم يولد لحد اليوم، لتخرج المعارضة تصرخ مما أسمته بإجهاض البرلمان لقوانين “الإصلاحات” التي ولدت حسبها “ميتة”، بحيث بقي الحال على حاله في مجال الحريات وحق التجمع والتظاهر والإعلام والإشهار وإنشاء الأحزاب، وهي نفس المطالب التي طرحت قبل أكتوبر وبعده، غير أنه ما دام النظام لم يتغير فكيف تتغير منظومة حكمه وطريقة تعامله مع السلطات المضادة؟ ولعل ذلك وراء ما جعل سيد أحمد غزالي رئيس الحكومة الأسبق في وصفه للنظام الجزائري الحالي، يقول إن هذا الأخير “لا يحترم قوانين البلاد ويؤمن بأن المجتمع يجب تسييره بالأوامر مثل الجيش”. لقد عمل النظام على رسكلة نفسه بنفس المواصفات السابقة ليحمي نفسه ضد التغيير، ومن نتائج ذلك أنه بعد 26 سنة من “ثورة أكتوبر” مازالت الجزائر في وضع لا تملك أحزابا قوية ولا تعددية فعلية ولا رجال سياسة ولا مجتمعا مدنيا... الجزائر: ح. سليمان النظام يلتف على مطالب الديمقراطية منذ 26 سنةدستور 2008 يطلق رصاصة الرحمة على الإصلاح السياسي من أهم نقاط قوة النظام في الجزائر سرعة الالتفاف على المطالب ذات الصلة بالديمقراطية والحريات، بإطلاق مشاريع ومبادرات تهدف في الظاهر إلى إشاعة الديمقراطية وتوسيع هوامش ممارستها، فيتراجع عن وعوده مع مرور الوقت مستفيدا من ضعف الطبقة السياسية وفراغ البلاد من سلطة مضادة رادعة.هذا بالضبط ما حدث بعد أحداث 5 أكتوبر 1988. فبعد أن تعددت الأوصاف التي أعطيت للأحداث من طرف السلطة، من “شغب أطفال” إلى “صراع أجنحة داخل الأفالان” إلى “المؤامرة الخارجية”، تم إقرار دستور 23 فيفري 1989 الذي قدمّه النظام حينها على أنه “نموذج للديمقراطية”. ودخلت البلاد مرحلة التعددية الحزبية وشهدت في جوان 1990 أول انتخابات يشارك فيها أكثر من حزب، فكانت التجربة بمثابة ممارسة الديمقراطية في الميدان لأول مرة منذ إنهاء حكم “الحزب الدولة”. غير أن الإصلاحات التي أفضت إلى التعددية، سرعان ما تم التخلي عنها مطلع 1992 بمبرر “الخطر الإسلامي”. فدخلت البلاد في نفق مظلم على إثر إلغاء نتائج الانتخابات التي جرت في 26 ديسمبر 1991، وتم تعطيل “دستور الانفتاح” في الكثير من جوانبه ببدء الحرب على الإرهاب. وتركت أجواء حرية الصحافة وانتقاد السلطة، ومشاريع المجتمع البديلة، مكانها للغة المواجهة والسلاح، فأضحى الحق في الحياة وإنقاذ الجزائر من الانهيار، طاغيا على أي حق آخر.وحاول الرئيس اليمين زروال بعد انتخابه في 1995 العودة إلى سكة الديمقراطية، بواسطة دستور كان باكورة استشارة سياسية واسعة، غير أن الخطوة لم تسلم من انتقاد الإسلاميين، وهم طرف في الأزمة، بحجة أن دستور 1996 فرض عليهم قيودا قاهرة. وظلت الإصلاحات والديمقراطية تترنح في البلاد سنوات طويلة، ولم تكن محل مطالب شرائح واسعة من المجتمع، لأن الأولوية كانت وقتها هي الخروج من الأزمة المزدوجة، أمنية واقتصادية. وجاء تزوير انتخابات 1997 التشريعية ليضع حدا لوهم اسمه “حرية اختيار الناخبين لمنتخبيهم”.وبوصول بوتفليقة إلى الحكم تم تجميد اعتماد الأحزاب، وأغلقت وسائل الإعلام العمومية أمام المعارضة ومنعت الأحزاب والجمعيات من تنظيم المظاهرات، وأصيبت الحياة السياسية بجمود غير مسبوق. وكان تعديل الدستور في 2008 بمثابة رصاصة الرحمة على الديمقراطية. ومن المفارقات أن الغلق الذي وقع في عهد بوتفليقة، تزامن مع بداية استعادة البلاد عافيتها، ما يعني أن المبررات الأمنية التي اختبأ وراءها النظام في التسعينات لتعطيل الديمقراطية، كانت كاذبة.وكان بوتفليقة أكثر الرؤساء الذين سبقوه تعهدا بإطلاق إصلاحات في كل القطاعات، على أن يتبعها إصلاح دستوري يعيد الاعتبار للديمقراطية وممارسة السياسة. ولم يكن إصلاح التعليم والعدالة محل توافق من الجميع، أما الإصلاح السياسي المنتظر منذ 15 سنة، فاتضح أن الرئيس نفسه لا يملك رؤية واضحة حوله. فقد أكثر من اللجان وكلفها بمراجعة الدستور وغابت الجدية عن المسعى، الذي غاب عنه التأييد السياسي الواسع المطلوب، عندما طرح للاستشارة على أطراف أغلبها ينتمي للسلطة. وإلى اليوم لا يعرف مصير الإصلاحات وتعديل الدستور الذي يريده بوتفليقة.الجزائر: حميد يس ثورة “الخبز” فشلت ودفعت المعارضة إلى إعادة ترتيب أوراقها بعد 26 سنةمطلب التغيير رفع في 88 ومازال قائما في 2014 دخل مطلب التغيير، في الجزائر، رواق “الروتين”، بعد 26 سنة من رفعه جهارا، والفرق بين مطلب التغيير الذي ترجم في أحداث أكتوبر 88، ومطلب التغيير المرفوع حاليا، يكمن في أن المطلب القديم كان مموّها بين ثورة سياسية وبين ثورة “خبز”، كشجرة غطت غابة أخفت إخفاقات الحزب الواحد، أما الدعوة إلى التغيير بشكله الحالي، فتظهر سياسية خالصة، واضحة المعالم، صريحة الأهداف، منظمة ومؤطرة بفصيل سياسي، في مواجهة نظام، كما رفض التغيير عام 88، يدير له ظهره عام 2014.السلطة في الجزائر، في راحة من أمرها، رغم ما يحوم من حولها من مطلب، يبدو لديها غريبا، ولا ينسجم مع مقتضيات إقليمية تفرض الحذر من أي انزلاق داخلي، يزج بالبلاد في متاهات الفوضى العربية والإقليمية، وقد حول نمط معالجتها من المعالجة السياسية إلى المعالجة الأمنية، تحت مظلة مكافحة الإرهاب، دوليا، أما داخليا، فتجابه السلطة الوضع، بما تعتبره إصلاحات سياسية، هي الثانية من نوعها بعد إصلاحات التعددية الأولى بعد ميثاق 89، لكن الدعوة إلى التغيير لم تنطفئ، إثر وضع لم يتغير في بلد تعيش على ريع البترول، لكن النظام، عمل على تحويلها إلى دعوة نمطية، دخلت رواق الروتين، من حيث قد يمل أصحابها يوما، أو على الأقل، يمكن التعايش والتعامل معها مرحليا، تماما مثلما تعاملت مع أحداث جانفي 2011، ومسيرات السبت، واحتجاجات مناهضة العهدة الرابعة، وقبلها أحداث القبائل، جوان 2001، وهي الآن تسير مطلب الانتقال الديمقراطي المرفوع من قبل “تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي” ومن يواليها. ما حدث عام 88، صار صالحا للاستعمال بعد كل هذه الفترة، وصار بنظر السلطة، محددا لسقف معين من “إصلاحات” حكومية، أريد لها أن تكون مرادفا لمطلب التغيير لدى المعارضة، لكن الإصلاحات، لم تكن سليلة “قناعة” سياسية، ولكن، وليدة ظرف إقليمي طارئ، وخز به “شباب الخبز والزيت”، ظهر الحكومة، مطلع جانفي 2011، وأراد” السبتيون (أصحاب المظاهرات السبتية) إتمام غرس إبرة التغيير بحقنة كاملة لكنهم خابوا، وتطور مطلب التغيير إلى صناعة تكتل معارض “التنسيقية” و«القطب الوطني”، يتبنى “التغيير الهادي” في صورة “انتقال ديمقراطي”، عزز قناعته الرئيس بوتفليقة لما ترشح ثم فاز بانتخابات 17 أفريل الماضي، ليفرض بذلك تأجيلا آخر لدعوة التغيير. يعتبر النظام أحداث أكتوبر 88 بمثابة “نار قديمة”، ومتيقن أن الجمر المتبقي من نار قديمة لا يمكن أن يوقد من جديد، وطيلة 26 سنة خلت، عملت السلطة على تمديد عمر مطلب التغيير، مقابل معارضة تلملم شتاتها بعدما تيقنت هي الأخرى أن الشتات الذي عمّر سنوات ما بعد ثورة أكتوبر، فوّت عليها فرصا ذهبية للتغيير، ومنح النظام فرصة احتكار السلطة، لما اعتقد أن الأحزاب التي فرخها الانفتاح، في عهد الراحل الشاذلي بن جديد، قادت سفينة التعددية على “يابسة” وليس على ماء، وتجربة الفيس المحل، نموذج “لانحراف”، بالنسبة لنظام بدّل الكثير من الأحذية ومازال الطريق أمامه مموّها.الجزائر: محمد شراقالمتزلفون لا يجدون حرجا في تبرير غيابه عن مواعيد هامةبوتفليقة يقدم الدليل على عجزه عن آداء مهامه ناب عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في تلقي التهاني أثناء مراسم عيد الأضحى بالجامع الكبير، رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، والوزير الأول عبد المالك سلال، ورئيس المجلس الشعبي الوطني العربي ولد خليفة. سبب الغياب عجز بوتفليقة عن آداء وظيفته كرئيس، وهي حقيقة تصدّها جماعة الرئيس وترفض إتاحة الفرصة لتفعيل الترتيبات الدستورية لترسيم حالة شغور منصب الرئيس.للعام الثاني على التوالي يغيب بوتفليقة عن “الصلاة البروتوكولية”، مثلما غاب للمرة الثانية عن مراسم عيد الفطر وغاب للعام الثالث عن افتتاح السنة القضائية (لم تتم في 21 سبتمبر الماضي، خلافا لما ينصّ عليه مرسوم صادر في عهد الرئيس بومدين)، وغاب عن حفل تخرّج دفعات من الضباط في الاحتفال السنوي بأكاديمية شرشال، ويستمر غيابه عن استلام أوراق اعتماد الكثير من السفراء الأجانب، ويتواصل غيابه عن حضور الاجتماعات والمؤتمرات في الخارج. ومن المؤكد أن السنة الجامعية ستنطلق هذا الشهر من دون حضوره. رغم كل هذه الغيابات، غير العادية في بلد آخر، يقول الموالون للرئيس إنه “بخير ويتابع شؤون الدولة ويصدر الأوامر والتعليمات”!باستثناء الصور التي رآه عليها الجزائريون في حفل آداء اليمين الدستورية، قبل 6 أشهر، حينما عجز عن قراءة خطاب كامل وردّد بصعوبة كلمات القسم الدستوري وراء الرئيس الأول للمحكمة العليا، لم يشاهد الرئيس إلا نادرا. وفي المرات التي شوهد فيها وهو يستقبل مسؤولين أجانب أو يلتقي بأعضاء الحكومة بمجلس للوزراء، أو يعقد اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن (غاب عنه وزيرا الخارجية والمالية، وحضره مدير ديوان الرئاسة!”، عززت الصورة التي ظهر عليها القناعة بأنه غير قادر بدنيا على آداء مهامه كرئيس للجمهورية. فلا هو “يتابع شؤون الدولة” ولا “يصدر التعليمات”، كما يزعم بعض المسؤولين المتزلفين. بإمكان هؤلاء إفحام من يطالبون بتفعيل المادة الدستورية رقم 88 بشيء واحد فقط، هو أن يلقي بوتفليقة خطابا بمناسبة أول نوفمبر المقبل. لكن لو كان قادرا لفعلها في 5 جويلية الماضي، ولو كان صحيحا بدنيا وذهنيا لشرح بنفسه مضمون تعديل الدستور، لا أن يترك هذه المهمة لمدير ديوانه أحمد أويحيى.وهجر الرئيس مضطرا مكتبه برئاسة الجمهورية، ويقضي أيامه منذ عودته من علاجه بفرنسا في جويلية 2013 بين الإقامة الرئاسية بزرالدة، ومركز للتأهيل بسيدي فرج بالضاحية الغربية للعاصمة، خصص له لإعادة الحركة لوظائفه المصابة بالشلل. وأمام هذه الحالة، يجري تسيير الدولة “إرثيا”، كما أشار إليه علي بن فليس لدى تقديم كتابه الأبيض حول تزوير الانتخابات. فهل سيتطور ذلك إلى توريث الحكم إلى أصغر الأشقاء؟الجزائر: حميد يسحقوقيون ونشطاء سياسيون يقرأون لـ”الخبر”مسيرة 26 سنة من أحداث أكتوبر “السلطــــة ضيّعــــــــت على الجزائريين فرصة ربيع الحريات” مقران آيت العربي: “الدولة في خطر “ مصطفى بوشاشي: “ النظام أنقذ نفسه بأحداث 5 أكتوبر “ بوجمعة غشير: “النظام أفرغ ربيع الجزائريين من محتواه” أجمح نشطاء حقوقيون ونشطاء سياسيون طلبت منهم “الخبر” قراءة عن “مسيرة 26 سنة من غضب الشارع” الذي عبّر عنه الجزائريون بمظاهرات يوم 5 أكتوبر 1988، على أن “ربيع الجزائر” لم يحقّق لأبنائها الذين دفعوا حياتهم ثمنا لها، الطموحات التي كانوا يرغبون في تحقيقها، فيما “الجزء القليل” الذي تحقق، بقي حبرا على ورق حبيس الأدراج.قال بوجمعة غشير عضو المكتب التنفيذي لشبكة الديمقراطيين العرب، في اتصال مع “الخبر”، إن “أحداث 5 أكتوبر 1988 كانت مرحلة مهمة وحاسمة ونقطة تحوّل نظام سياسي مبني على التعددية والحرية، وتلك الأحداث كانت أيضا سببا في ظهور هيئات وحركات تدعو للانفتاح الديمقراطي، ومحطة هامة لمنظمات حقوق الإنسان لفرض نفسها”.وذكر غشير بأن “بعد كل هذه المؤشرات، كانت البذرة التي خرج منها حراك الشعب وظهر دستور فيفري 1989، لكن الربيع الذي عاشته الجزائر سنة 1988، اصطدم فجأة بما جرى فيما بعد ودخلت الجزائر في دوامة، أدت إلى إفراغ مكتسبات 8 أكتوبر من محتواها وذهبت تضحيات الشباب في مهب الريح”. وأوضح المتحدث: “والغريب أن المكتسبات مضمونة في النصوص وموجودة في الدستور، لكن تواجدها الهيكلي غير محترم، مثلما التعددية الحزبية موجودة لكنّها تحولت فيها الأحزاب إلى زائدة عن المطلوب ولا تشكّل حراكا سياسيا يساهم في تطوّر المجتمع، بل تعتمد على الزعامات بالدرجة الأولى ولا تقدّم مشاريع سياسية للجزائريين”. وتابع: “في مجال الحقوق والحريات تتوفر نصوص وهي في مجملها جيدة ومقبولة، لكنّها غائبة تماما على مستوى الواقع ولا تعكس انتفاضة الجزائريين، بل رسخت الانتهاك والقمع وعدم احترام القانون وينعدم فيها التطبيق الفعلي”.من جانبه، يرى المحامي والناشط السياسي مقران آيت العربي أن أحداث 5 أكتوبر الناجمة عن أزمة متعددة الأبعاد، كان بإمكانها أن تدفع الطبقة السياسية في السلطة والمعارضة إلى حوار حول أسباب ونتائج هذه المأساة، وما ينبغي فعله للخروج منها وتفاديها مستقبلا، ولكن السلطة فضلت البقاء في السلطة من أجل السلطة لخدمة مصالح الأفراد والجماعات، والمعارضة لم ترق إلى مستوى الأحداث، ولم تتمكن من تجنيد الطاقات الحية في المجتمع قصد التغيير السلمي دون غالب ولا مغلوب”. وربط آيت العربي في مساهمة نشرها، أمس، على صفحته على “الفايس بوك” تحت عنوان “هل استخلصنا درسا من أحداث أكتوبر 1988؟ ما جرى سابقا نتاج لما هو حاصل حاليا”، وقال: “فالسلطة أمام خطورة الأزمة تختفي وراء رئيس لم يره ولم يسمعه الشعب منذ أداء اليمين الدستورية، وتزعم أنه بخير وأنه يسيّر شؤون الدولة بطريقة عادية، والمعارضة تفتقر إلى أفكار جديدة وواضحة، وإلى مصداقية لطرح مشروع متكامل للمساهمة الجدية في إحداث التغيير بالوسائل السلمية، وهذا ما جعلها تعود أحيانا إلى طرح فكرة تفعيل المادة 88 من الدستور للتصريح بشغور منصب رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية”. ويعتبر المحامي والناشط السياسي أن “الدولة اليوم في خطر، ويمكن في اعتقادي لقيادة الجيش إقناع الرئيس بأن الجميع مرة أخرى في باخرة واحدة ولا بد من البحث عن وسيلة لقيادتها إلى برّ الأمان، وهذا لا يحتاج بالضرورة إلى تعديل الدستور لكون القضية سياسية بالدرجة الأولى”. وأعطى صاحب المساهمة حلولا لتحقيق هذه العملية، عبر “تعيين شخصية وطنية أثبتت تمسّكها بضرورة بناء الدولة الديمقراطية الاجتماعية كوزير أول وتمكينه من تشكيل حكومة من الكفاءات المستقلة، وتقوم هذه الحكومة بإعداد برنامج استثنائي (حتى لا نقول انتقالي) بالتشاور مع الرئاسة والأحزاب والشخصيات ويصادق عليه المجلس الوطني ليصبح ملزما للجميع، مع تفويض مهام الرئيس للحكومة باستثناء المهام العالقة برئيس الدولة والتي لا تقبل التفويض (ويمكن حصرها لاحقا)”.وأضاف المتحدث: “ومن جملة ما يمكن أن يتضمنه البرلمان إعداد مشروع دستور توافقي بمشاركة كل من يريد أن يشارك، وتعديل القوانين الهامة كقانون الانتخابات والإعلام والأحزاب والجمعيات، ووضع ميكانيزمات وآليات لاحترام الحريات العامة وحقوق الإنسان والمواطن وكرامته، ومعاملة الجزائريين كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات لا غير، والسماح بظهور شخصيات شابة، وبروز أحزاب سياسية يمكنها أن تسيّر المرحلة القادمة، ووضع خطة صارمة للنهضة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية عن طريق استغلال عائدات البترول استغلالا عقلانيا في التنمية، وتمكين مصالح الأمن والعدالة من محاربة الفساد”. وطالب مقران آيت العربي بـ«تعهّد الطبقة السياسية في السلطة والمعارضة بتفعيل هذه المرحلة وبتأييد الجيش ومصالح الأمن في محاربة الإرهاب بالوسائل القانونية وفي حماية الحدود وأمن الجزائر والجزائريين، وفتح نقاش واسع حول أكبر القضايا العالقة منذ أحداث أكتوبر 1988، وهذه الخطة في اعتقادي يمكنها أن تفتح الطريق أمام السلطة والمعارضة، لإحداث تغيير سلمي حقيقي وتدعيم أسس الدولة الديمقراطية الاجتماعية دون البحث عن الغالب والمغلوب وبدون التخويف بمتابعات قضائية، لأن ضرورة بناء الدولة التي تضمن حقوق الجميع تكون فوق مصالح الأشخاص والجماعات والأحزاب، وفوق الحسابات السياسوية للسلطة والمعارضة. وبدون ذلك، فإننا لم نستخلص أي درس من أحداث أكتوبر 1988”.من جهته، قال المحامي والحقوقي مصطفى بوشاشي لـ«الخبر”، إن “أحداث 5 أكتوبر 1988 كانت احتجاجات خرج فيها الجزائريون تنديدا بالظروف الاقتصادية وتحولت إلى مطالب بالحرية، فكانت الحصيلة مئات القتلى من طرف النظام السياسي، فهل حققنا مطالب الديمقراطية والحريّة؟ مع الأسف بعد 26 سنة مازلنا أبعد عن الديمقراطية وسيادة القانون ودولة قانونية حقيقية”.وأشار بوشاشي إلى أنّ “النظام القائم منذ الاستقلال يرفض تحول الجزائر إلى دولة ديمقراطية، وأسس لإستراتيجية تقوم على إجهاض الديمقراطية فوقع انقلاب في انتخابات 1992، فقالوا آنذاك (رموز النظام) إن الانقلاب كان لإنقاذ الجمهورية، لكن الآن اتضح أن الانقلاب هو لإنقاذ النظام التسلطي رغم تراجع العنف السياسي”. وأضاف المتحدّث: “عمليا نلاحظ بعد 26 سنة من أحداث 5 أكتوبر 1988، تراجعا عن فكرة دولة القانون والمؤسسات، والشأن العام يدار بالهاتف وليس بالقانون، ورغم التكلفة البشرية والمادية التي دفعها الجزائريون لم يحققوا مطالبهم سواء في الحقوق أو الحريات، أو على المستوى الاقتصادي الذي ظهرت فيه منظومة فساد أصبحت صفة النظام السياسي القائم الذي يعتمد على إستراتجية قتل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني”.الجزائر: خالد بودية .
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات