38serv
تقف المعارضة في الجزائر، بدعوتها للتظاهر يوم 24 فيفري، عند أول اختبار حقيقي يقيس حجمها في الشارع، بعد أن ظلت نشاطاتها منذ الرئاسيات الفارطة حبيسة لقاءات واجتماعات في العاصمة، تكشف حسب خصومها ضعف وجودها الميداني، بينما تحاجج هي برفضها انتهاج خيار الشارع لما فيه من مخاطر لا يمكن تحمل عواقبها.لأول مرة مذ تكتلت المعارضة في تنسيقية الانتقال الديمقراطي، ثم توسعت إلى هيئة التشاور والمتابعة، أُعلن عن دعوة لتنظيم وقفات ميدانية في كافة ولايات الوطن، احتجاجا على مضي الحكومة في مشروع التنقيب التجريبي عن الغاز الصخري، رغم الرفض الشعبي الذي يواجهه في عين صالح وعدد من ولايات الجنوب. ويعود آخر تجمع شعبي للمعارضة إلى يوم 21 مارس الماضي، لكنه كان مغلقا في قاعة حرشة، وسبق قبل ذلك وقفة نظمها رؤساء التنسيقية، دون أن يدعوا إليها المواطنين، في مقام الشهيد بالعاصمة في 12 مارس تنديدا بترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة الرابعة.واللافت أن المعارضة تجنبت أن يكون موضوع التظاهر هذه المرة، المطالب السياسية التي ترفعها كالآليات المطروحة في أرضية مزافران لتحقيق الانتقال الديمقراطي، أو الضغط من أجل تحقيق مطلب الانتخابات المسبقة الذي تنادي به، أو الاحتجاج على الانتهاكات والتضييقات التي تفرضها السلطة على الحريات العامة في الجزائر. وفضلت هيئة التشاور والمتابعة بدلا عن ذلك خيارا شديد الحذر في اقترابها لأول مرة من الشارع، لأن حاجز الخوف كسره تماما ناشطو عين صالح باحتجاجاتهم التي أظهرت تنظيما ووعيا منقطع النظير، بحيث لم يسجل أي حادث في المنطقة أو انزلاق، وكان الانضباط شديدا لدرجة عدم كسر “مصباح نور”، كما قال النائب عن ولاية تمنراست، بابا علي.وتصر المعارضة على رفض خيار الشارع نظرا للمخاطر التي يمكن أن يسببها في الظرف الحالي، وتقول إن برنامجها يقوم على الانتقال الديمقراطي المتفاوض عليه، وهو منطقة وسطى بين الانتقال الذي يأتي من الأعلى، أي الذي تقوم به السلطة بنفسها، والانتقال الذي يأتي من الأسفل أي عبر الشارع، وهو خيار غير مأمون العواقب.لذلك، ستتجنب هذه الوقفات وليس المسيرات، وفق جيلالي سفيان، “الشعارات السياسية أو الحزبية”، وستكون “صرخة موحدة بمشاركة الجميع، سياسيين ومناضلين في المجتمع المدني ومواطنين”، لكي “نقول لا لاستغلال الغاز الصخري”. ويضيف رئيس حزب جيل جديد، في حوار سابق لـ«الخبر”، إن “هدفنا من هذه الوقفات هو التصدي لسياسة السلطة التي أشعرت سكان الجنوب بأنهم يعانون الحڤرة ودون قيمة”.ويبدو أن المعارضة تجاوزت إشكالية الرخصة التي كانت ترهقها في مثل هذه الخطوات، إذ يؤكد ناصر حمدادوش، مسؤول الإعلام في الكتلة الخضراء بالمجلس الشعبي الوطني، أن “هذه الوقفات لا تحتاج إلى ترخيص، فمن حق المواطن دستوريا أن يعبر عن رأيه بكل حرية”. وتساءل حمدادوش: “هل يعُقل أن ترخّص لك سلطة لتحتجّ عليها؟ نعم قد يطلب الرخصة لذلك، وإذا رفضت الجهات الوصية ذلك تُسجّل عليها نقاط في سجلها الأسود لقمع الحريات. إخواننا في الجنوب لم يضطروا لذلك، وهذه قضية وطنية تهمّ الشعب الجزائري بكامله، ولا بد من إبطال مخطط السلطة بزرع بذور تقسيم الشعب والبلاد بين الشمال والجنوب، وعزل الصحراء”.ويبقى السؤال في خضم كل ذلك عن مدى نجاح المعارضة في الحشد للوقفات التي دعت لها؟ ويقول المحلل السياسي رشيد تلمساني ردا على ذلك: إن “المعارضة رغم كل ما يثار عنها تبقى فاقدة تماما للتأثير الشعبي، لأن الثقة لازالت مفقودة بين النخب السياسية وبين الشعب”. والدليل، حسبه، “يكمن في غياب المعارضة عن الصراعات الاجتماعية وبقائها أسيرة ممارسة السياسة في الصالونات”.ويفسر تلمساني ذلك بأن “السياسي في الجزائر لا يزال يرفض الصراع مع السلطة، ويمارس السياسة بمنطق المعارضة من أجل الريع، لذلك عليه أن يختار بين الصراع الحقيقي وبين الريع”. ولمح أستاذ العلوم السياسية إلى أن الحراك الجاري في الجنوب مؤشر على أن “المجتمع أصبح له وعي سياسي يفوق وعي أولئك الذي يتصدرون المشهد المعارض”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات