نقابة الشرطة مطلب رفضته السلطة وافتكته الاحتجاجات

+ -

 قبل سنوات، كان ضربا من الخيال أن يطالب منتسبو الشرطة بنقابة تحميهم، ذلك أن منطق “عسكرة الشرطة” مثلما يصفه مدافعو حقوق الإنسان، لم يكن حتى ليتحمل نوايا تأسيس نقابة في هذا الجهاز الحساس، لكن ومنذ سنوات قليلة، صار مطلب نقابة الشرطة، لا يثير الاستغراب، مثلما أثار مطلب نقابة للائمة الاستغراب في البداية، ثم تجسد على أرض الواقع، بينما نقابة الشرطة، ظل مطلبا عالقا ينتظر قرار سياسي. قرار سياسي أتخذ هذه المرة تحت الضغط، عندما خرج أعوان الشرطة إلى الشارع، بغرداية والعاصمة. وهذه المرة لم يكن أعوان الشرطة المحتجين لينتظروا ردا من مسؤولهم الأول، اللواء عبد الغني هامل، الذي قال لهم ذات مرة إن “تأسيس نقابة للشرطة ليست من الأولويات حاليا”، وكان ذلك يوم 22 جوان في سطيف، ولكنهم افتكوه بلحظات فقط من المسؤول السياسي عن القطاع الوزير الطيب بلعيز، بمجرد ما قرأت لائحة مطالب مضربي غرداية، فجرجر مطلب تأسيس النقابة في تياره مطالب أخرى، قال بلعيز إنه تمت الاستجابة لها. ودخل مطلب نقابة للشرطة بورصة الحملة الانتخابية، لرئاسيات 2014، من حيث رفعت أحزاب هذا المطلب في تجمعاتها، بينما تبنى مترشحون هذا المطلب في حال وصولهم إلى قصر المرادية، وأول من تبنى هذا المطلب، المترشح علي بن فليس، الذي رأى أن وجود نقابة للشرطة من شأنه أن يقوي الجهاز أكثر وتحويله إلى قوة اقتراح، كما دافعت الأمينة العامة لحزب العمال عن تأسيس نقابة للشرطة، واستغربت رفض وزارة الداخلية لهذا المطلب، بعد أن استحدثت نقابة للشرطة في تونس بعد رحيل بن علي، وأياما قليلة فقط من رفع المطلب للسلطات العليا التونسية. بيد أن رفض الداخلية نقابة لمنتسبي القطاع، يؤشر على موقف أعلى السلطات في البلاد، يعتقد أنها تتحاشى “البلبلة” داخل جهاز حساس بينما البلاد تعيش وضعا داخليا وإقليميا مضطربا، مع التذكير بأن عبد الغني هامل، وبعدما رفض تأسيس نقابة في قطاعه عام 2011، أكد في جويلية من عام 2012 ببومرداس أنه لا يعارض تأسيس نقابة للشرطة، لكن الأمر يحتاج إلى “قرار سياسي”. هناك من يرى أن شعار “مدنية الشرطة”، الذي أوحت إليه القيادة الجديدة في الشرطة بعد رحيل علي تونسي يوم 25 فيري 2010، لم يكن ينسجم مع “منطق التمدين” بمجرد ما رفض اللواء عبد الغني هامل تأسيس نقابة للشرطة، لذلك، ارتبطت الشرطة في أذهان الجزائريين، بمظهر “عسكرة” لا تختلف في تنظيمها من التنظيم المعتمد لدى الجيش، وهذا لا ينسجم مع واحدة من معايير المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لأن التمدين يقابله بالضرورة وجود سلطة مضادة داخل الإدارة، مهمتها الحفاظ على توازن المؤسسة أو الجهاز، ولهذا السبب، شاعت النظرة القائلة أن الشرطة في الجزائر في خدمة النظام وليس في خدمة المواطن، وإن كانت قيادة الأمن الوطني تنفي هكذا قراءات، بمجرد ربط الواقع بانعدام نقابة للشرطة في الجهاز. وليس قيادة الشرطة وحدها من يتأثر بما توصف به، ولكن أول المتأثرين هم أعوان الشرطة في الشوارع والطرقات، من حيث أن شعور عام يلازمهم عن رؤية معينة للمواطنين لهم على أنهم يمثلون السلطة بكل مكوناتها أكثر من تمثيلهم للمواطن، ويبدو ذلك من مكبوتات أفراد الجهاز، خارج ما أثاره، مثلا، المحتجون في غرداية والعاصمة، من ضغط ومناح أخرى تتصل بواقعهم المعيشي، بدءا من عدم قضائهم الأعياد مع عائلاتهم في الغالب، إلى الأجر والسكن وغيرهما.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: