كشف الصراع المتجدّد بين رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة والقدم ورئيس نادي شبيبة القبائل، بأن العلاقة بين الرجلين، في مرحلة المهادنة والشحناء، تخفي من ورائها فضائح كثيرة، جعلت كل طرف يوظّف أوراقه ضد الآخر وفق الظروف، لتحقيق أهداف معيّنة دون المرور في غالب الأحيان في مرحلة قصة خلافهما التي لا تنتهي إلى نقطة “اللاّرجوع”.بدا واضحا من خلال كل الانتقادات التي وجّهها محند شريف حنّاشي لرئيس “الفاف” والردّ القاسي من طرف رئيس الاتحادية، بأن العلاقة بين الرجلين بلغت فعلا مرحلة “نشر الغسيل”، وهي مرحلة تحاشى كل طرف الوصول إليها، كونها ستُنهي لا محالة قصة القبضة الحديدية، وستجعل كل طرف منهما في مواجهة سلسلة من الفضائح التي حرص الرجلان على إخفائها عن الرأي العام، ومن ثمة، ظل روراوة وحناشي بين مكرّ ومفرّ، وغلب الجانب البراغماتي في كل مرحلة انسداد على الإقدام على خطوة كشف المستور.اتهامات بالخيانة مرّت دون عقابالعلاقة بين حناشي وروراوة تطرح عدة تساؤلات، وبغض النظر عن موقف كل واحد منهما من الآخر، فإنها تخفي وراءها نفاقا معلنا، جعل كل الإعلام الجزائري والجمهور الرياضي ينساق وراء سيل الأخبار والتصريحات النارية، دون التساؤل عن دوافع فترات المهادنة المعلنة بين الطرفين، رغم أن الاتهامات السابقة كانت كافية لفتح تحقيق للوقوف على أدق التفاصيل التي تعني الطرفين.وقد سبق لرئيس شبيبة القبائل، خلال فترات صراعه مع رئيس “الفاف” التأكيد بأن روراوة طلب منه التنازل عن نقاط مباراة في رابطة أبطال إفريقيا للأهلي المصري في عز الأزمة الجزائرية ــ المصرية، ثم فجّر حناشي فضيحة قدوم نادي تي.بي مازيمبي من الكونغو الديمقراطية، حين قدم منافس شبيبة القبائل في نصف نهائي رابطة أبطال إفريقيا في 2010 سرّا إلى الجزائر للتحضير بفندق 5 جويلية الأولمبي، مؤكدا بأن روراوة نفسه هو الذي يقف وراء ذلك للنيل من الشبيبة، وهي حادثة صنّفها حناشي في درجة “الخيانة”. وطالب حناشي في فيفري 2011 رئيس “الفاف” بمنح الشبيبة مستحقات المشاركة في كأس “الكاف” ووصفه أيضا بالديكتاتور، مؤكدا بأن تبوّؤ روراوة لمنصب في “الفيفا” “الكاف” يهدف من ورائه إلى خدمة مصالحه وليس كرة القدم الجزائرية.روراوة يلجأ إلى القضاء دون إقصاء حناشيولم يكن رئيس “الفاف” يردّ كثيرا على هجوم حناشي عليه، بل أن روراوة، الذي سبق له اختيار سياسة المهادنة مع الأندية القوية التي تملك قاعدة شعبية ورؤساء لا يدخرون جهدا لإطلاق العنان لأسنتهم المنتقدة لشخصه، على غرار مولودية الجزائر في عهد عمر غريب، اتبع نفس السياسة مع حناشي، واكتفى رئيس “الفاف” ببعض البيانات المنتقدة لحناشي دون التحلي بالشجاعة وتسليط عقوبات قاسية على رئيس شبيبة القبائل خوفا من تداعيات ذلك بالنظر إلى وزن الشبيبة ورئيسها، رغم أن روراوة لم يتوان في إقصاء الحارس هشام مزاير لسنتين ورئيس اتحاد الشاوية عبد المجيد ياحي مدى الحياة بسبب انتقادهما لشخصه، قبل أن “يقضي” على عمر غريب، حين ارتكب هذا الأخير الخطأ الذي جعل السلطات تتخلّى عنه.وفي الوقت الذي طلب فيه رئيس “الفاف” من حناشي الاعتذار أولا في قضية تي.بي مازيمبي، فإنه سارع إلى الإعلان بأنه سيقاضي رئيس شبيبة القبائل حين اتهمه علنا بأنه طلب منه تسهيل مهمة الأهلي المصري، وبدا واضحا من خلال طريقة انتقاد روراوة لحناشي بالقول بأن غلق الطريق أمام المستثمرين للالتحاق بشبيبة القبائل وبأن رأس مال شركة فريق من حجم شبيبة القبائل لا يتعدى 100 مليون سنتيم، يثير التساؤل، بأن روراوة يخشى فعلا رئيس الشبيبة ويفضّل في كل مرة تحاشي الصدام معه أو استفزازه بالعقوبات، ولم يفرض عليه إطلاقا عقوبة الإقصاء مدى الحياة، رغم خطورة انتقادات حناشي له، وهي طريقة معاملة مختلفة تماما عن طريقة معاملته للرؤساء المصنّفين في خانة “اللاّخطر”.مرحلة المهادنة تفضح الرجلينوخلال فترة المصالحة المعلنة بين روراوة وحناشي، لم يعد الإعلام الجزائري يتحدث عن الفضائح السابقة في مسلسل الخلاف بين الرجلين، بل أن رئيس شبيبة القبائل الذي لا يتحرّج من تغيير مواقفه حسب نظرته البراغماتية وقناعته بأن مصلحة فريقه فوق كل اعتبار وبمنطق القوة لأخذ الحقوق، لم يدّخر أي جهد للقول بأن المنتخب الوطني المتألق في مونديال البرازيل صنيع رئيس “الفاف” وليس المدرّب الوطني السبق وحيد حاليلوزيتش، ثم صرّح في إحدى الحصص التلفزيونية وبابتسامة عريضة “لن أنتقد روراوة، فقد أصبح صديقي..”. ومقابل الصلح المعلن ومن أجل المحافظة عليه، سارع رئيس “الفاف”، في سابقة أولى، إلى نشر عقوبة الحكم فاروق حواسنية على موقع الاتحادية الجزائرية لكرة القدم والتأكيد بأنه مقصى لشهرين كاملين، رغم أن الخطأ الذي يلومه عليه حناشي في لقاء شبيبة القبائل أمام وفاق سطيف، لم يعرّض حكّام سابقين سوى لعقوبة الإيقاف لشهر واحد دون نشر العقوبة لا على موقع “الفاف” ولا على موقع الرابطة. بل أن رئيس شبيبة القبائل الذي وصف حكما بـ«الحقير”، لم يعرّضه سوى لعقوبة الإيقاف لستة أشهر منها ثلاثة أشهر غير نافذة، وكان واضحا بأن العقوبة “الرمزية” هي لذر الرماد في العيون ليس إلاّ.مصلحة “الكناري” تُفجّر العلاقة من جديدومن الغريب أن يمر روراوة وحناشي في الأشهر الأخيرة بمرحلة عصيبة، فرئيس “الفاف” توالت على رأسه الضربات بعد مقتل إيبوسي، وقضية محاولة نقل المنتخب الوطني إلى قطر، ثم خسارة شرف تنظيم “كان 2019” و«كان 2021”، وتوتر علاقته مع رئيس “الكاف” عيسى حياتو، بينما تأثر فريق شبيبة القبائل بمقتل إيبوسي، حين تم حرمانه من ملعبه ومن جمهوره، إلى جانب إقصائه من “الكاف” لسنتين، وأخيرا قضية مستحقات اللاّعب دابو. وتوترت العلاقة الودية بين الرجلين، بسبب اقتناع حناشي بأن روراوة وراء إقصاء الشبيبة من رابطة الأبطال، وبأن رئيس “الفاف” هول أول من بادر بالسوء، وطبّق عليه المثل القائل “البادئ أظلم”، ومن ثمة نشر حناشي الغسيل ولم يدخر أي جهد لانتقاد روراوة وإهانته وجعل كل الجمهور القبائلي يقتنع بأن روراوة يكره الشبيبة. خطوة حناشي الجديدة، حرّكت رئيس الاتحادية الذي نشر بيانا مطوّلا يكشف فيه، حسبه، عيوب حناشي ويصفه بالجاهل للقوانين، ويؤكد أيضا بأن “الفاف” منحته مرتين مساعدات بقيمة مليار سنتيم، وبأنها تكفلت بنفقات نقل جثمان إيبوسي إلى الكامرون وكل الشخصيات التي تنقلت معه، ويتهمه ضمنيا بالخيانة، حين نشر الغسيل في مصر عندما نزل فريق الشبيبة ضيفا على الزمالك المصري.كلام روراوة هو اعتراف صريح بأنه كان يكيل بمكيالين، وبأنه في مرحلة المهادنة أو تحاشي الصدام مع حناشي، كان يتعامل معه بطريقة تختلف تماما عن طريقة معاملته مع رؤساء أندية لا يملكون الوزن نفسه لرئيس شبيبة القبائل، ما يعني بأن الحرب المعلنة اليوم بين الرجلين هي حرب مصالح.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات