من المعروف أن القوانين الجنائية لا تسري على القواعد السابقة على نفاذها، وهو ما يعرف بقاعدة “عدم رجعية النصوص الجنائية”، غير أن هذه القاعدة ليست مطلقة، بل ورد عليها استثناء يتعلق بالقانون الجديد عندما يكون أقل شدة، ويعني ذلك بلغة فقهاء القانون وجوب تطبيق القانون الأصلح للمتهم. ويعد القانون الجديد أصلح للمتهم إذا كان الفعل مجرّما بالقانون القديم، ثم أصبح مباحا بالقانون الجديد، وإذا أباح النص الجديد سببا من أسباب الإباحة أو مانعا من موانع العقاب أو مانعا من موانع المسؤولية، يستفيد منه المتهم، وإذا أضاف النص الجديد ركنا جديدا إلى الجريمة، وكان من شأن تطبيقه على المتهم تبرئته من الفعل المنسوب إليه لعدم توافر هذا الركن.وهكذا يكون المشرع في قانون العقوبات قد أسهم في إصلاح منظومته القانونية، إذ لم يعد يهدر الحريات الفردية، ولا يتماشى مع مصلحة المجتمع. فقد حاول أن يؤنسن هذا القانون بطريقة تجعله يخرج المتهم من دائرة التجريم بكل ما يملك من جهد، في حين نجد أن القانون الأساسي للتربية والتكوين قد وضع القطاع برمّته في دائرة الفوضى والاضطراب، ومن ثم أصبح هذا القطاع يتميز عن سائر القطاعات الأخرى بالإضراب، بل هو الذي فتح لها الشهية لتسلك طريقه في الدفاع عن حقوقها المشروعة، ولم يحاول أن يكون أكثر إنسانية من قانون العقوبات الذي تعامل بحس حضاري مع متهمه كعضو صالح في المجتمع.وإذا كان بعض أبناء هذا القطاع وجدوا أنفسهم في وقت سابق يشتغلون معلمين وأساتذة وفق مجموعة من النصوص القانونية، فإن ذلك لا يبرر على وجه الإطلاق وضع هذه الفئة في رتبة الزائلين في إطار هذا القانون الجديد، لأن المنطق القانوني السليم يقتضي في مثل هذه الحالة تطبيق القانون الأصلح، وهو هنا القانون القديم الذي تضمن حقوق وواجبات المعلم كموظف عام في قطاع التربية على خلاف القانون الساري المفعول، والذي تنكر لهذه الفئة في هذا المبدأ.وتطبيق القانون الأصلح للمتهم على هذه الفئة المستنيرة لا يعني أنها كانت متهمة بشيء معين، بل قد يكون انتسابها لقطاع التربية في مرحلة سابقة مبررا كافيا لتوصيفها بهذا المصطلح الذي اختاره من وضع القانون الجديد، والذي ميز به بين أفراد أسرة واحدة يتقاسمون مهاما مشتركة، ومادام قد أصر على هذا التميز، كان عليه تطبيق القانون القديم على فئة الزائلين باعتباره القانون الأصلح لها، لأنه على الأقل كفل لها حقوقها وفق ما نصت عليه قوانين التربية السائدة في العالم، والتي لم تخالف مضامين تشريعاتها ودساتيرها.ليس غريبا أن يكون قانون العقوبات أكثر رحمة وإنسانية من قانون التربية في غياب المجلس الأعلى للتربية والتكوين، فعندما يتحقق هذا المجلس على أرض الواقع يمكن الحديث عن القانون الأصلح لهذا المعلم الذي أصبح متهما بأشياء كثيرة في زمن الرداءة[email protected]
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات