+ -

 إنّ هذه المسألة تعتبر من المسائل الّتي أثارت وتثير الفتنة في المجتمعات الإسلامية، حتّى وصل الأمر ببعض الجهلة بتكفير إخوانهم لمعصية فعلوها أو مخالفتهم لما هم عليه، والحقّ أنّه لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله أو خطأ أخطأ فيه، خاصة في المسائل الخلافية، وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما” أخرجه البخاري.أمّا عن إمامة المسلمين، فالأولى أن يكون الإمام عالمًا بكتاب اللّه وسُنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: “يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اللّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنًّا” رواه مسلم.أمّا إن لم يوجد إمام بهذه الصّفات، ووجد إمام فاجر أو فاسق فترك صلاة الجمعة والجماعة خلفهما يُعدّ جهلاً وضلالاً وابتداعًا، لأنّ الشّريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد ودفعها بحسب الإمكان، فإذا لم يمكن منع المُظهر للبدعة والفجور إلاّ بضرر زائد على ضرر لم يجز ذلك بل يُصلّي خلفه ما لم يوجد إمام أبَرّ منه، كما هو رأي كثير من العلماء.فعلى المؤمن أن يبتعد عن الفتنة وعن أسبابها، فالفتنة داء خطير تنخر كيان المجتمع حتّى تضعفه فيتكالب عليه أعداؤه، وقد قال اللّه تعالى: {واعْتَصِموا بحبْل اللّه جميعًا ولا تَفرَّقوا واذْكُروا نِعْمَتَ اللّه عليكم إذ كُنتم أعداءً فألَّف بين قلوبِكم فأصْبَحتُم بنِعمتِه إخوانًا} آل عمران:103، والأئمة في أغلبهم تعيّنهم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ولا يجوز الخروج عليهم تحت أيّ مِظلّة كانت، وإذا ظهر على أحدهم شيء رفع أمره إلى المسؤولين، وفي الأخير نُذكّر بمسؤولية الإمام، فهي مسؤولية عظيمة وخطيرة، كفيلة بإصلاح أفراد المجتمع عقديًا ودينيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وسياسيًا، ذلك لأنّ المسجد أعظم وأكبر مؤسسة تستقطب المؤمنين في اليوم الواحد خمس مرّات على الأقل.فعلى الإمام أن يكون بحقّ مقدّرًا لتلك المسؤولية عاملاً على التعلّم والتّعليم والتّخلُّق بآداب الإسلام والابتعاد عن مواطن الشُّبهات وخوارم المروءة، حتّى يثق فيه المأمومون ويستمعون لكلامه المستمد من الكتاب والسنّة، والمأموم الّذي لم يجد إمامًا يُصلّي خلفه إلاّ إمامًا فاسقًا أو مبتدعًا فعليه الصّلاة خلفه، ولقد اعتذر ابن تيمية رحمه اللّه وغيره لهذا الإمام وأمثاله بقوله: “قد يتوب من فعل المحرّم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرّم، وقد يبتلى بمصائب تكفّر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مُطاع” من رسالته “قاعدة أهل السنّة والجماعة في رحمة أهل البدع والمعاصي ومشاركتهم في صلاة الجماعة”.أوردت كلام ابن تيمية رحمه اللّه هذا سَدًّا لذريعة الخروج عن الأئمة بدعوى البدعة كما يحلو للبعض أن يصف غيره، وأنّ الخروج عن الجماعة حرام وشذوذ، والرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في معنى ما يقوله: “إنّما يأكُل الذِّئب من الغنم القاصية” أي الشّاذة البعيدة عن الجماعة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات