إنّ موسى والخضر تابعَا مسيرهما، فمرَّا على قرية، وكان الجوع قد أخذ منهما كلّ مأخذ، فسألوا أهل القرية الضيافة، فأبوا أن يقدّموا لهما شيئًا من الطعام، في تلك الأثناء رأى الخضر جدارًا مائلًا على وشك السقوط، فعمد إلى إصلاحه وإسناده بالدعائم؛ ليمنع سقوطه، ولم يطلب الخضر من أهل القرية أجرًا على عمله، فاستغرب موسى لهذا الموقف، كيف يقوم الخضر بهذا الفعل، مع أنّ القوم لم يقدّموا لهم شيئًا يدفع عنهم غائلة الجوع؟ثمّ توجّه إلى الخضر وخاطبه بقوله: قوم أتيناهم فلم يطعمونا، ولم يضيّفونا، عمدت إلى حائطهم فأقمته، كيف يكون هذا؟ ألم يكن من العدل أن تطلب أجرًا على عملك هذا، أو على الأقل أن تطلب طعامًا مقابل ما قمت به من عمل جميل؟ فأجاب الخضر موسى: لقد آن لنا أن نفترق بعد كلّ الّذي حصل، لقد أثبتت الأحداث والوقائع أنّك غير قادر على متابعتي وملازمتي، وعلى الرّغم من هذا فسوف أخبرك بحقيقة ما فعلت.ثمّ أخذ الخضر يقصّ على موسى الحِكَم والعِبَر من كلّ ما فعله، فأخبره أنّ السّفينة كانت ملكًا لأناس فقراء، يتعيّشون عليها، وكان من عادة قراصنة البحر أنّهم كانوا يأخذون كلّ سفينة صالحة لا عيب فيها، ويتركون كلّ سفينة فيها عيب أو عطب، فعمد إلى خرقها وإحداث عيب فيها؛ منعًا لأولئك القراصنة من مصادرتها واغتصابها.أمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين، وكان هو كافرًا، وكان يُخشى عليهما منه، فقتله منعًا من أن يفتنا أبويه، ويردّهما عن إيمانهما باللّه، فإنّ العاطفة الأبوية قد تجرّ أحيانًا إلى ما لا يُحمد عقباه، وقد تدفع المؤمن إلى ترك إيمانه؛ انجرارًا وراء تلك العاطفة.أمّا إقامة الجدار الّذي أشرف على السّقوط والتّهاوي، فقد كان مخبوءًا تحته كنز لغلامين، ولو سقط الجدار قبل أن يبلغ الغلامان لذهب ذلك الكنز؛ إذ ليس لهما القُدرة على الدّفاع عن حقوقهما، فكان الغرض من إقامته رعاية حقّ هذين الغلامين اليتيمين في هذا المال؛ إكرامًا لأبيهما الصّالح.وقد ورد بخصوص قصّة موسى والخضر قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “وددنا أنّ موسى كان صبر، فقصّ اللّه علينا من خبرهما” متفق عليه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات