38serv
من الواضح أن نتائج الانتخابات التشريعية في تونس وما تمخضت عنه من تغير نسبي في موازين القوى والحضور السياسي التمثيلي في البرلمان، مع حصول حزب “نداء تونس” لقايد السبسي على الأغلبية، ستساهم في إحداث تغيرات في توجهات الحكومة التونسية الجديدة على المستوى الداخلي رفعا للتحديات التي تواجهها تونس، إلا أنه من المستبعد أن تحدث تغيرات جذرية على سياسات تونس الخارجية مع أقرب حلفائها، وعلى رأسها الجزائر، وإن كانت لمسة قايد السبسي وحلفائه ستتضح في عدد من الملفات الحساسة مثل سوريا وليبيا.
تبقى تونس مما يعرف بـ«الدول الفاصلة أو العازلة”، أي من البلدان التي تقع في نطاق جغرافي وسياسي خاص، تتوسط دول مفتاحية قوية، منها الجزائر ومصر، كما أنها تخضع لتأثيرات لما تشهده المنطقة من تفاعلات على المستوى الأمني والسياسي، مع استفحال ظاهرة الجماعات الإسلامية المسلحة، يضاف إليها الرهان الاقتصادي والأزمة التي مست أغلب بلدان المنطقة، وبالتالي فإن أي حكومة ستتشكل في تونس، سواء على أساس أغلبية من “نداء تونس” أو ائتلاف سياسي، فإنه سيراعي عددا من العوامل الأساسية التي أثرت على مسار المشهد السياسي الداخلي في تونس، وعكست التغيرات المسجلة في الانتخابات التشريعية، وإن كانت هذه النتائج ليست بالحاسمة أو القطعية، لأنها وإن ساهمت في تراجع التيار الإسلامي، ممثلا في “النهضة”، إلا أن هذه الأخيرة تبقى رقما فاعلا وثاني قوة سياسية، وقد تكون هذه النتائج انعكاسا لتراجع “تكتيكي” لمواجهة ظرف غير مناسب لحصد التيار لأغلبية قد تنتج عنها مضاعفات وضغوط لا يمكن مقاومتها ورهانات يتعذر رفعها في الوقت الراهن. وتأتي خرجة زعماء النهضة بالإقرار بانتصار نداء تونس كمؤشر عن رغبة التنظيم إعطاء الانطباع بالقبول بقواعد اللعبة السياسية، علما بأن النهضة المرتبط بتنظيم الإخوان المسلمين عانى ضغوطا كبيرة نتيجة تفاعلات الأزمة في مصر وليبيا، وحتى في دول مثل تونس وتفرعاتها المتصلة بشبكة التحالفات القائمة مع دول خليجية. وعليه، فإن نتائج الانتخابات لن تحدث قطيعة كبيرة، لاسيما وأن الانطباع السائد هو أن الناخب أو جزءا منه على الأقل سعى إلى ضمان بدائل غير تلك التي شكلت الائتلاف الحكومي السابق والبحث عن سبيل لضمان استقرار أكبر على المستويين السياسي والاقتصادي، كون حصيلة الائتلاف كانت متواضعة، حيث لم يكن أداء الشخصيات المفتاحية منصف المرزوڤي على الرغم من رمزيته وراشد الغنوشي ومهدي جمعة ومصطفى بن جعفر مقنعا في نظر شريحة كبيرة من التونسيين. ومع ذلك، فإن الانطباع السائد هو أن التغيير لم يكن جذريا بدليل اختيار التيار المعارض الذي تضمن مزيجا من شخصيات كانت محسوبة على نظام الرئيس السابق بن علي، وأخرى على المعارضة. فيما يبقى التيار الاسلامي ممثلا في النهضة حاضرا بقرابة ربع التمثيل في البرلمان الجديد.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات