تندرج قصة نوح عليه السّلام ضمن سياق القصص القرآني للأنبياء عمومًا، فهي تخبر بأنّ نوح عليه السّلام أُرسل إلى قومه ليُخرِجهم من عبادة الأوثان والأصنام، ويدعوهم إلى عبادة الواحد الرّحمن، ويحذّرهم من عذاب يوم أليم. وهذه هي المهمة الأساسية للرسل. كما جاء ذلك على لسان نوح مخاطبًا قومه بطبيعة المهمّة الّتي جاء لأجلها: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} الأعراف:59.ثمّ إنّ نوحًا، بالرغم من موقف قومه، يخبر قومه أنّه ماض في طريقه، ثابت على عزمه، لا يثنيه عن قصده إعراضهم، ولا يمنعه من تبليغ رسالة ربّه موقفهم، فها هو ذا يخاطب قومه بقوله: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللّه وَأُمِرْتُ أنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} يونس:72.غير أنّ قوم نوح لم يستجيبوا لدعوة نبيّهم، بل ظلّوا في طغيانهم يعمهون، وفي ضلالهم يرتعون، بل أخذوا يسخرون منه، ويصفون دعوته بالضّلال، وهو ما عبّر عنه سبحانه بقوله: {إِنّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وهذا حال الفجّار والكفّار دائمًا وأبدًا، حيث يرون الأبرار في ضلالة، كما قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ} المطففين:32.وتخبرنا القصّة أيضًا أنّ قوم نوح استهزأوا من الّذين آمنوا معه، ووصفوهم بأنّهم من أراذل قومهم، وهذا هو حال الطّغاة والمستكبرين في كلّ عصر ومصر، يصفون أتباع الحقّ بأنّهم شرذمة قليلون، يبغون الفساد في الأرض، ويعكرون صفو الحياة وبهجتها ورونقها، قال تعالى على لسان قوم نوح: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمُ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} هود:27، وقال أيضًا: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} الشعراء:111.ثمّ إنّ نوحًا يخبر قومه، أنّه لا يمكن أن يتخلّى عمّن آمن برسالته، ولا أن يغلق الطّريق أمام من انقاد لأمر ربه، {وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} الشُّعراء:114، وهل يستقيم في ميزان العقل أن يدعوهم إلى الإيمان بربّهم، وترك ما هم عليه من عبادة الأصنام، ثمّ يتنكر لهم بسبب ما آمنوا به، ويطردهم ممّا دخلوا فيه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات