القضاء يوظف “رئيس الدولة” للتحقيق في سياق تاريخي غابت عنه الصفة

+ -

 يسترعي بيان النيابة الذي أصدرته، أول أمس، بخصوص فتح تحقيق في اتهامات سعيد سعدي بحق قادة تاريخيين، عدة ملاحظات، أبرزها أنها تبرر التحقيق بكون علي كافي وأحمد بن بلة رئيسي دولة سابقين، في حين أن السياق الذي تناوله سعدي لم يكن فيه الرجلان صاحبي مسؤولية في الدولة، ما يدعو إلى الاعتقاد بأن القضاء تحرك بإيعاز من جهة رسمية، يرجح أنها رئاسة الجمهورية.ملاحظة أخرى على بيان وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد، وهي عدم وجود شاك. فهو لا يذكر وجود شخص أو أشخاص تقدموا بشكوى ضد زعيم الأرسيدي سابقا، ويفترض أن يكونوا في هذه الحالة أفرادا من عائلات كافي وبن بلة ومصالي الحاج، على اعتبار أن الشخصيات الثلاثة متوفون. وبانعدام وجود جهة شاكية، معناه أن النيابة تحركت عفويا بعد اطلاعها على تصريحات سعدي، التي نقلتها الصحيفة الإلكترونية “كل شيء عن الجزائر”. ويسمى ذلك عند أهل الاختصاص القانوني “الإخطار الذاتي”.ومن بين هؤلاء المختصين، وكيل الجمهورية لدى محكمة زيغود يوسف بقسنطينة سابقا، والقاضي النقابي السابق عبد الله هبّول، الذي يعطي رأيه في القضية: “ما ينبغي التوقف عنده هنا أن السيد سعدي شخصية سياسية وطنية، ومترشح سابق للانتخابات الرئاسية ورئيس حزب سابق معروف عنه أنه يخوض في مواضيع التاريخ خاصة ثورة التحرير. ولأنه تعاطى مع قضية ذات حساسية كبيرة، أعتقد أن قرار فتح التحقيق لم يتخذ لا على مستوى وكيل الجمهورية ولا على مستوى النائب العام بمجلس قضاء الجزائر (بلقاسم زغماتي)، ولا حتى على مستوى وزير العدل. الأمر جاء من رئاسة الجمهورية، وبذلك فهو يحمل خلفية سياسية بعيدة تماما عن الجوانب القضائية والقانونية التقنية”.وبخصوص إقحام صفة رئيس دولة بالنسبة لكافي وبن بلة لفتح التحقيق، يقول ممثل النيابة سابقا: “هذا يعني أن الإيعاز جاء من الرئيس بوتفليقة أو محيطه”. مشيرا إلى أن البيان “يكيّف التهمة على أنها قذف وهي منصوص عليها في المادة 296 من قانون العقوبات، فيما تتضمن المادة 298 من قانون العقوبات في حال ثبوت التهمة. لكن منذ تعديل المادتين في 20 ديسمبر 2008، ظهرت جزئية هامة وهي أن القضية تلغى عندما يتنازل أصحاب الشكوى عن شكواهم، ولا يمكن للنيابة عندها أن تكون ضحية فتعطي لنفسها الحق في أن تكون هي الشاكية. ومرادي من هذا أن النيابة ما كان ينبغي أن تتحرك فتفتح تحقيقا في قضية سعدي، من دون شكوى تستند إليها. وبالمحصلة فوكيل الجمهورية بمحكمة سيدي امحمد لا يملك حق الإخطار الذاتي”.ويتكئ هبّول على الدستور لدعم رأيه، فيقول: “في ديباجة أبي القوانين، نقرأ بأن التاريخ مقترن بالشعب، ومعنى ذلك أن التاريخ ملك له وليس من مهام جهاز القضاء صياغة التاريخ، إنما هي من اختصاص الباحثين في التاريخ ومادة للنقاش والتفاعل الحر. وتحرك الرئاسة في هذه القضية نابع من حساسية السلطة من تاريخ الثورة، لأن رجالها يمارسون الحكم باسم الشرعية الثورية ولا يتورعون عن توظيف القضاء لفائدة تثبيت حكمهم. وهذا هو لبّ القضية في قصة فتح التحقيق في تصريحات سعدي”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: