يقتضي هذا تغيّرًا في انقسام المجتمع الجاهل على أساس الانتماء القبلي بحدّ ذاته، مستقلًا عن انتماءات المواقع في عملية إنتاج الحاجات المادية للمجتمع.لقد أصبح انقسام أهل الجزيرة العربية إلى وحدات قبلية منفصلة، مستقلّة بعضها عن بعض عائقًا فعليًا دون تحقيق مهمّات العملية التطورية المرحلية: كان لابد إذن من اختراق هذا العائق، أي كان لابدّ إذن من حضور الإطار التّوحيدي القادر، أن يكون إطارا واحدا للتّناقضات ذات النّوعية الاجتماعية الجديدة.كان لابدّ من حضوره حضورًا فعليًا بوصف كونه قوّة مادية موحّدة أوّلًا، وبوصف كونه فكرة مبدئية توحيدية على مستوى الوعي ثانيًا. وقد جاء الإسلام ليكون هو هذا الحضور الفعلي على المستويين كليهما: مستوى القوّة المادية لمؤسسة ومستوى الوعي كفكرة أو مبدأ أو عقيدة، وهذا ما كانه معنى التّوحيد من حيث البعد الاجتماعي الكامن في مضمونه الدّيني المباشر، أي مضمونه الإيماني الإسلامي الخاص، وهذا ما كان يشير إليه التّوجيه القرآني في الكثير من آياته، منها: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} الشّورى:14. {وَأَطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا، وَتَذْهَبَ رِيحَكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللّه مَعَ الصّابِرِينَ} الأنفال:46. {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَات} آل عمران:105، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} آل عمران:103.إنّ هذا البعد الاجتماعي لمعنى التّوحيد، قد أظهره سيّدنا محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نصًا صريحًا في أوّل وثيقة سياسية وضعها إثر الهجرة المباركة إلى المدينة المنوّرة، مُعلنًا المبادئ الأولى لخطّة العمل التّحالفي بين مختلف الفرقاء الّذين صار المسلمون فريقًا منهم في دار الهجرة هذه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات