إنّ مجال المنهج الربّاني فسيح، جدّ فسيح للعقل البشري، وحسبهم كذلك أن يحاول هذا العقل تطبيق ذلك المنهج ويدرك مواضع القياس والاجتهاد فيما تتنازع فيه العقول (عقل العقل الّذي يقهر شهوات النّفس ويخضعها للقلب السّليم حيث الإشراقات الربّانية والفيوضات الرّحمانية. قال صاحب دُرّة النّاصحين الشّيخ عثمان الخويري رحمه الله: [ولذا روى في مشروعية الصّوم أنّ الله تعالى خلق العقل فقال: أقبل فأقبل ثمّ قال أدبر فأدبر. ثمّ قال: مَن أنتَ ومَن أنا؟ قال العقل: أنت ربّي وأنا عبدك الضّعيف، فقال الله تعالى: يا عقل ما خلقت خلقا.. أعزّ منك. ثمّ خلق الله تعالى النّفس فقال لها: أقبلي فلم تجب، ثمّ قال لها: مَن أنتَ ومَن أنا؟ فقالت: أنا أنا وأنت أنت. فعذّبها بنار جهنّم مائة سنة ثمّ أخرجها فقال: مَن أنتَ ومَن أنا؟ فأجابته كالأوّل، ثمّ جعلها في نار الجوع مائة سنة، فسألها فأقرَّت بأنّها العبد وأنّه الربّ، فأوجب الله عليها الصّوم بسبب ذلك].ومنهج من مزاياه أنّ صانعه هو صانع هذا الكون الّذي يعيش فيه الإنسان فهو يضمَن للإنسان منهجًا تتلاءم قواعده مع نواميس الكون، فلا يروح يعارك هذه النّواميس، بل يروّح يتعرّف إليها ويصادقها، وينتفع بها فتمدّه بأسرارها إذا استفتحها في حبّ وتواضع، وترافقه في سيره إلى الصّانع الحكيم ويظلّ في اتصال مع الخلق بالحقّ ومع الحقّ بالخلق والمنهج نفسه يهديه في هذا كلّه ويحميه.ومنهج من مزاياه أنّه في الوقت الّذي يهدي فيه الإنسان ويحميه، يكرّمه ويحترمه ويجعل لعقله مكانًا للعمل في المنهج، مكان الاجتهاد في فهم النّصوص الواردة ثمّ الاجتهاد في ردّ ما لم يرد فيه نصّ إلى النّصوص أو إلى المبادئ العامة للدّين والثّوابت الّتي لا يعتريها نسخ أو تغيير.. ذلك إلى المجال الأصيل الّذي يحكمه العقل البشري ويعلن فيه سيادته الكاملة: ميدان البحث العلمي في الكون والإبداع المادي فيه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات