38serv

+ -

أخرج الإمام الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “مَن يأخذ عنّي هؤلاء الكلمات فيَعمل بهنّ؟”، فقال أبو هريرة: فقلتُ: أنا يا رسول اللّه، فأخذ بيدي فعدّ خمسًا وقال: “اتّق المحارم تكن أعْبَدَ النّاس، وارض بما قَسَمَ اللّه لك تَكُن أغنى النّاس، وأحْسِن إلى جارِك تكُن مؤمنًا، وأحبّ للنّاس ما تُحبّ لنفسك تكن مسلمًا، ولا تُكثِر الضّحك فإنّ كثرة الضّحك تميت القلب”. إنّ “اتّقاء المحارم” معناها الحذر من الوقوع فيما حرّم اللّه، “تكن أعبد النّاس”  أي: مِن أعبدهم؛ لأنّه يلزم من ترك المحارم فعل الفرائض، ولاتّقاء المحارم هناك أبواب يجب غلقها وسدّ منافذها. فالباب الأوّل “باب اللّسان”، وهو أوسع وأخطر باب، قال عليه الصّلاة والسّلام: “مَن يَضمَن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنّة”، فقد ضمن لك المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حفظتَ لسانك أن تدخل الجنّة، وفي حديث آخر: “إنّ العبد ليتكلّم بالكلمة من رضوان اللّه لا يلقي لها بالاً يرفعه اللّه بها درجات، وإنّ العبد ليتكلّم بالكلمة مِن سخط اللّه لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنّم”، فالكلمة لها أهمّيتها، فهي تدخل النّار، أو تدخل الجنّة؛ الكلمة تشعل الحرب وتثير الفتنة، ولهذا قال اللّه تعالى للنّاس: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. احفظ لسانك عن الكذب، فإنّ الرّجل ما يزال يكذب ويتحرّى الكذب حتّى يكتب عند اللّه كذّابًا؛ احفظ لسانك من اليمين الغموس، وهي الّتي يحلف بها صاحبها وهو يعلَم أنّه كذّاب، احفظ لسانك من الغيبة وخصوصًا عن العلماء فإنّ لحومهم مسمومة، وعادة اللّه في منتقصيهم معلومة، ومَن ابتدرهم بالثَّلب ابتلاه اللّه قبل الموت بموت القلب.أمّا الباب الثاني في الخطورة فهو باب الفرج، فالزِّنا محرّم وفاحشة: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}، وقد شرّع اللّه للزّاني أشنع عقوبة إن كان مُحصنًا حيث يُرجَم حتّى يموت، وإن كان غير متزوّج يُجلَد مائة جلدة من غير رأفة: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّه}، فهذه الفاحشة يقول فيها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “ما عصي اللّه بذَنب بعد الشِّرك أعظم من نطفة يَضعها الرّجل في فرج لا يحلّ له”، “والّذي نفس محمّد بيده، إنّ ريح فروج الزُّناة ليؤذي أهل النّار”، “والّذي نفس محمّد بيده، إنّ فروج الزُّناة لتشتعل نارًا يوم القيامة”، وفي الصحيح عندما عرج به عليه الصّلاة والسّلام: “ثمّ أتينا على تنّور أعلاه ضيق وأسفله واسع، وفيه رجال ونساء عُراة يأتيهم لهب من تحتهم، فيرتفعون وينخفضون، قلتُ: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزُّناة والزّواني من أمّتك”. بينما يتمثّل الباب الثالث في الأُذن، ومعصيته سماع ما حرّم اللّه كالغيبة الّتي لا تتم إلاّ من طرفين مغتاب وسامع، فإذا سمعتَ الغيبة فأنتَ أحد المغتابين، فما موقفك إذا اغتاب شخص عندك آخر تغلق الباب عليه وتقول: دَعْنا منه، اترُكنا من الغيبة، إن كان عندك كلام طيّب وإلاّ فاسْكُت، أمّا أن تجامله وتسكت فأنتَ المغتاب الثاني، فلا تستمع الغيبة ولا تسمع النّميمة. أمّا الباب الرّابع وهو النّظر، يعدّ بابًا خطيرًا جدًّا، فمَن يفتح عينه في الحرام يعمي اللّه بصيرته عن الحقّ، ويطمس على قلبه، فالجزاء من جنس العمل، ومَن غضّ بصره فتح اللّه بصيرته: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللّه خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، فمدّ النّظر هو أوّل الطّرق وأوّل الخطوات للفاحشة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، فلم يَقُل: خطوة الشّيطان، بل خطوات الشّيطان، فالشّيطان لا يقود إلى الزّنا مباشرة، ولكن مرحلة فمرحلة، من الكلام إلى المواعيد إلى اللّقاءات فالفاحشة، فغضّ البَصر من أعظم أسباب وقاية القلب وسلامته، فالنّظر سهم مسموم، يفتك ويفري، ويحرق القلب، ويُغْضِب الرّبّ، ويرضي الشّيطان.في حين يعتبر الباب الخامس “البطن”، وهو باب عظيم من أبواب دخول المحارم، فأكل الرِّبا من أعظم المنكرات ومن أكبر الكبائر، وما أذن اللّه بحَرب صاحب كبيرة كما أذن بحرب صاحب الرِّبا: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ}، ورد في مسند أحمد: “درهم ربا يُصيبه الرّجل أعظم من ستّ وثلاثين زنية في الإسلام”، وعند ابن ماجه: “الرِّبا بضع وسبعون حَوْبًا أي: ذنبًا، أدناه كأن ينكح الرّجل أمّه”، وقل مثل ذلك عن الرّشوة: “لعن اللّه الرّاشي والمُرتشي والرّائش” وغيرها من طرق أكل حقوق الغير. والباب السادس “اليد”، كفّها عمّا حرم اللّه، فلا تبطش بها في حرام، ولا تَسرِق بها مالاً معصومًا، ولا تسفك بها دم مسلم، ولا تمدّها إلى أيّ شأن لا يحلّ لك.    واللّه وليّ التّوفيق.إمام مسجد عمر بن الخطاببن غازي ـ براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات