38serv
قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس، فؤاد نهرا، في حوار لـ«الخبر”، إن قدوم الأحزاب اليمينية المتطرفة اليوم بأوروبا غيّر المعادلات في ما يخص المهاجرين غير الشرعيين، الذين لا ترضى هذه الأخيرة في دخولهم إلى بلدانها واندماجهم في أوروبا. كما أشار إلى أن تفاقم الوضع والتدفق المتزايد على السواحل الإيطالية عبر نظيرتها الليبية يرجع إلى سقوط نظام القذافي، جراء التدخل العسكري الذي كان وراءه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الأمر الذي جعل الدولة الليبية المنهارة تصبح مصدرا لكل التحركات البشرية غير المضبوطة اليوم، سواء في ما يخص مسألة الهجرة غير الشرعية أو الجماعات الإرهابية.مسألة الهجرة غير الشرعية أصبحت تخيف كل دول أوروبا اليوم، وعلى رأسها فرنسا التي تعتقد بأنها تشهد نزوحا لا مثيل له من المهاجرين واللاجئين، علما بأنها تحتل المرتبة 54 عالميا من حيث استقبال هؤلاء الوافدين في العالم، فهي بعيدة كل البعد عن البلدان الأولى المحتضنة. فما هو تحليلكم للسياسة المنتهجة في هذا الإطار؟ لابد من التمييز بين الهجرة الفعلية والهجرة كما يتصورها الرأي العام أو كما يتخيلها، والفرق شاسع بحيث أن هذا الأخير لا يرى أن أكثر من 45 في المائة من الوافدين سنويا إلى فرنسا هم من الأوروبيين، بحيث لا تتجاوز حصة إفريقيا الشمالية 23 في المائة من إجمالي الوافدين و30 في المائة من الأفارقة. ثم إن الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي والقادمة من المتوسط بلغت ما يقارب 170 ألف شخص عام 2014، وفقا لتقرير المفوضية الأوروبية الأخير، منهم 1500 هلكوا في البحر المتوسط، لكن الكثير من الصحف اليمينية تبالغ في تقديرها، فالمسألة أن العديد من المقيمين بصفة غير قانونية هم ممن تم رفض لجوئهم السياسي أو ممن انتهى حقهم في الإقامة القانونية. والفارق بين الواقع والمتخيل يعود إلى قوة تأثير طروحات اليمين المتطرف، وإلى الخوف من المهاجرين غير الأوروبيين خاصة أولئك الوافدين من الدول الإسلامية، ما يدفع العديد إلى طرح فكرة الهجرة المنتقاة مهنيا (الكفاءات) وإثنيا (مع تفضيل الأوروبيين) ودينيا (الباب مفتوح أمام الأقليات المسيحية الشرقية).والقضية الأساسية اليوم التي غيرت المعادلات بأوروبا هي قدوم الأحزاب اليمينية المتطرفة، التي حتى إذا لم تنتصر في الوصول إلى الحكم فإن أفكارها تؤثر في طبيعة الهجرة، فإذا وجدنا حزب “الجبهة الوطنية” لمارين لوبان في فرنسا فهناك تيارات مماثلة له بعدة دول من الاتحاد الأوروبي كـ«حركة الاستقلال” البريطانية المناهضة للأجانب و«بغيدا” بألمانيا، فكلها تبقى متخوفة من ظاهرة الهجرة غير الشرعية واستقبال اللاجئين ببلدانها واندماجهم في أوروبا. ففي الوقت الذي تتفاوض فيه المفوضية الأوروبية عن العدد الذي تستقبله 28 دولة لهؤلاء المهاجرين وتوزيع حصص عليها بالتساوي، كانت تركيا قد استقبلت لوحدها 150 ألف لاجئ، دون حساب الأردن ولبنان. كما أجمعت هذه المفوضية على مواجهة تجار الهجرة غير الشرعية بشتى الطرق، لكن بان كي مون حذّر من أي تدخل عسكري.هل تشاطرون رأي البعض من الطبقة السياسية الفرنسية الذين يلقون اللوم على ساركوزي في انفجار عدد المهاجرين وخروجهم من السواحل الليبية، بعد سقوط نظام القذافي وتفشي الفوضى داخل البلاد، عقب التدخل العسكري الذي سعت إليه فرنسا أولا وتسببها في انهيار الدولة؟ نعم، ويظهر أثر ذلك في إسقاط نظام القذافي من دون دعم مسيرة بناء نظام بديل، كون الدول العربية المتوسطية كانت مرتبطة بمقتضى الشراكة الأوروبية المتوسطية بموجب ضبط الهجرة، وهذا ما فعلته ليبيا قبل الثورة وما تفعله الجزائر والمغرب اليوم، فبسبب واقع الشرذمة الذي تشهده ليبيا بانهيار الدولة أصبحت مصدرا للتحركات البشرية غير المضبوطة، على مستوى الهجرة غير الشرعية وعلى مستوى تحرك الجماعات الإرهابية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات