"تحقيق معاني رمضان بالتّربية والتّوجيه والسّلوك"

38serv

+ -

دعا فضيلة الشّيخ العربي كشاط، عميد مسجد الدّعوة بباريس، العلماء والدّعاة الّذين يتصدّرون للحديث عن شهر رمضان في الفضائيات والإذاعات وغيرها، للنّزول إلى الواقع والانطلاق من الواقع لتصويبه. وأكّد في حوار لـ “الخبر” أنّ تحقيق معاني شهر رمضان لا يتحقّق إلاّ بالتّربية والتّوجيه والسّلوك في إطار الأسرة والحي وكلّ مؤسسات الأمّة.كيف يُحقّق الصّائم قول الله تعالى: {يأيُّها الّذين آمنوا كُتِب عليكم الصّيام كما كُتِب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}؟ ينبغي أن يَطرح كلّ مسلم هذا السّؤال على نفسه: ما الحكمة في أن يُفتَتح الحديث عن فريضة الصّيام بهذا النّداء، وهذا النّداء ليس اعتباطيًا ولكنّه يُذكِّر كلّ واحد منّا بأنّ الإيمان يقين يسكن القلب. فكلّما وجدنا أنفسنا في كتاب الله تعالى أمام هذا النّداء {يا أيُّها الّذين آمنوا} فمعنى ذلك أنّنا مطالبون بأن نستعد ونستيقظ من غفلتنا وننتبه. ثانيًا أنّ الأمر في القرآن الكريم يقتضي عبودية الله تعالى، نعبد الله عزّ وجلّ بامتثالنا للأمر. فالمظاهر الاجتماعية يجب أن تكون مطبوعة بطابع الامتثال لأمر الله عزّ وجلّ.وإنّ عملية الصّيام تحدث التغيُّر في مواقيتنا كلّها، قبل شهر رمضان يعيش الإنسان كأنّه كائن لا يعي قيمة الوقت، فيأتي رمضان يُحدّد لك الوقت الّذي تتوقّف فيه بإرادتك مستعينًا بالله، والوقت الّذي تتوقّف فيه عن الأكل صباحًا امتثالاً لأمر الله، وعندما يحلّ الغروب تتوقّف عن الإمساك بأمر الله. كما أنّ آثار الصّوم ليست ظرفية، لأنّ الصّوم بوصفه توقّفا عن الطّعام والشّراب وما إلى ذلك ينتهي خلال شهر، لكن آثاره لا تنتهي.كيف يخطّط المسلم لاغتنام أكبر قدر من كنوز رمضان؟ يجب على المسلم أن يقوم بعملية تفريغ، كما يقول علماء الأخلاق عملية التّخلية، والتّخلية تسبق التّحلية، فرمضان شهر يتعطّر فيه الصّائمون بعطور خاصة، هل يُعقل أن يكون الإنسان وقد عاد من العمل أو السّفر وقد اغبرّ جسده واتّسخت ثيابه يذهب ليعطّر نفسه؟ لا، فأوّل عمل يقوم به هو أن يستحم من أجل تنظيف جسده من الأوساخ والغبار، وبعدها يتعطّر. فالقلب مسكن لا يَقبل إلاّ ساكنًا واحدًا، إمّا أن يسكن قلوبنا حبّ الله، وإذا لم يسكنها حبّ الله سكنها حبّ الشّيطان، {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}.وعلى الصّائم في آخر يوم من رمضان أن يسأل نفسه: هل عُدتُ من التربُّص الرّوحي والاجتماعي خلال رمضان بزاد التّقوى أم لا؟ هذا أهمّ سؤال. إذا كان الجواب نعم، فليس عيد الفطر هو العيد الوحيد وإنّما كلّ لحظة أشعر فيها بأنّ الله يرعاه ويحبّه ويتقرّب فيه إلى الله بما يحبّه ويرضاه وينفع خَلق الله، فيُحوّل كلّ لحظات حياته إلى أعياد.كيف السّبيل إلى تحقيق هذه المعاني؟تحقيق معاني شهر رمضان بالتّربية والتّوجيه، والسّلوك في إطار الأسرة وفي إطار الحي وفي إطار كلّ مؤسساتنا، وينبغي على الّذين يتصدّون للحديث عن شهر رمضان في الفضائيات والإذاعات وغيرها أن ينزلوا إلى الواقع، وينطلقوا من الواقع لتصويبه، وينبغي أيضًا أن لا نطلق آيات القرآن الكريم وأحاديث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الهواء، وهذه الآيات جاءت لتغيّر واقعًا وتنشأ واقعًا جديدًا، وهذه الأحاديث المرتبطة بشهر رمضان كلّها مرتبطة بالواقع.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات