38serv
تلقب بـ«قلب الشمال” و«قطعة من الجنة” و«أرض الهدوء” و«مدينة الأوكسجين”، إنها “أوردو” المحافظة التركية المطلة على البحر الأسود. وتعني كلمة “أوردو” في اللغة التركية “معسكر الجيش”، ووفقا للروايات التاريخية فالمدينة تعد من أقدم مدن الاستيطان في تاريخ البشرية. تشير بعض المراجع التاريخية إلى أن الإنسان سكن “أوردو” منذ 3000 عام قبل الميلاد، وتتميز عن باقي المحافظات بسحر طبيعتها المهيب، وبجوها المعتدل، وبكرم أهلها وحسن ضيافتهم، وبشواطئها الطويلة والنقية، حيث يختلط اللونان الأخضر مع الأزرق، وتشتهر بكونها عاصمة لإنتاج البندق عالميا.أوردو.. جوهرة البحر الأسود بطبيعتها الخلابة«أوردو” التي تقع شرق منطقة البحر الأسود تغري بسحرها ومفاتنها كل سائح بزيارتها، حيث الطبيعة الخلابة تزيد المدينة بهاء وجمالا. وصدق من قال “من زار تركيا ولم يزر “أوردو” فلا زيارة له”، فعلى قمم “شمباشي” و«فاستا” و«بارشمبا” و«أيباستا” و«أكوش” و«أونيا” وغيرها من القرى والمداشر المتناثرة على سفوح الجبال والسهول ستشاهد لوحات فنية رائعة من عمق الطبيعة، تشكلها وتجسدها سلسلة جبال وتلال وشواطئ وشلالات وبحيرات، وفي ريفها ستقف على أصالة وتراث الريف التركي وتقاليد سكان البحر الأسود في أسمى تجلياتها ومعانيها.«الخبر” استكشفت هذا الإبداع الرباني خلال مشاركتها في برنامج نظمته سلطات ولاية أوردو، بمناسبة إحياء أهالي البلدة لمهرجان “ربيع أوردو” المصادف لــ20 ماي من كل عام، وهو المهرجان الذي دعي إليه هذا العام أزيد من 25 مؤسسة إعلامية من مختلف الدول العربية وغير العربية، وشارك فيه الآلاف من الأتراك الذين قصدوا كورنيش المدينة ابتهاجا واحتفاء بقدوم الربيع.تنقلنا إلى مدينة أوردو كان عبر مطار إسطنبول الذي وصلنا إليه عبر رحلة للخطوط التركية استغرقت ثلاث ساعات من مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائر، ثم عبر رحلة أخرى استغرقت ساعة من مطار اسطنبول باتجاه مطار مدينة “سامسون” التي تبعد نحو 100 كلم عن مدينة أوردو، التي وصلنا إليها برا بعد أكثر من ساعة من السير، دون أن نشعر بتعب أو ملل، حيث ترى في جنبات الطريق مناظر طبيعية آسرة، تميزها سلسة جبال مكسوة بأشجار البندق، وفي وسطها فيلات بنيت على طراز عثماني متناسق وجميل.وقبل أسبوعين بات الوصول إلى أوردو أسهل وأسرع بكثير، بعد أن تم تدشين أول مطار من نوعه في تركيا، والثالث من نوعه على مستوى العالم، وهو مطار “أوردو - غيرسون” الذي شيد داخل البحر على جزيرة اصطناعية، ويبتعد عن مدينة أوردو بنحو 19 كيلومتراً، وعن مدينة “غيرسون” 25 كيلومتراً، في بلدة “غولوالي” التابعة لمدينة أوردو. وتم استخدام نحو 30 مليون طن من الأحجار في رص القاعدة بما يسهل ويضمن عملية هبوط الطائرات وسلامتها، وتم العمل على جعل مهبط الطائرات بطول 3 آلاف متر وبعرض 45 مترا، وبات السفر من إسطنبول نحو أوردو يستغرق نصف ساعة فقط. والسبب في تشييد المطار على البحر هو عدم وجود مساحة ترابية كافية لتشييده في اليابسة، كون أوردو مدينة جبلية.في أول يوم لنا بهذه المدينة وقفنا على جمال صباحها حينما تشرق شمسها، ومع تلاشي الظلام رويدا رويدا، تبدو المدينة كما هي، بلا ضوضاء، بهية بصفائها، وتغسلك بأوكسجينها المنهمر من جبالها المخضرة، مع أولى تلابيب الفجر تظهر المدينة فجأة فتنبهر عيناك من جمال ما ترى وما تشاهد.مناظر بانورامية للجبال والشلالاتمحافظة أوردو بحق هي المكان الأمثل لعشاق الطبيعة والهدوء، فجمال الطبيعة كله يجتمع هناك، لذا أصبحت ملاذا لكل من يرغب في قضاء أجمل الأوقات بين أحضان الطبيعة بكل تفاصيلها، والاستمتاع بالطقس الدافئ والمناظر الخلابة، فهناك شلالات “قدينجيك” التي تبعد عن مركز المدينة بنحو 20 كليومترا، وبجانب الشلال ستجد أمامك طاحونة شاهدة عن عمرها المتجذر على مدار مائتي عام. ويعد شلال “أوهداميس” أكبر شلال في منطقة البحر الأسود إذ يبلغ ارتفاعه نحو 30 مترا يتدفق ماؤه بهديره المهيب، ويبلغ عدد الشلالات في أوردو أكثر من مائة شلال.وفي أعلى قمة تل “شابي كوب كايا”، التي تبعد عن مركز المدينة بنحو 32 كلم، توجد عين جارية بماء رقراق كالثلج يستهوي الناس في نزهاتهم، وهناك ينزل إلى بطن الوادي هواة صيد السمك وممارسو رياضة التجديف لممارسة رياضتهم المفضلة. وإلى جانب الشلالات التي يتجاوز عددها المائة شلال، تشتهر المنطقة ببحيراتها وبجداولها الكثيرة التي تتسلل بين الجبال، وبمياهها النقية الصالحة للشرب وللسباحة ولممارسة رياضة القوارب. ولأن الأهالي لا يقومون بأنشطة زراعية فإن مياه أوديتها خالية من آثار المبيدات أو مواد الإخصاب الزراعية أو المواد الكيميائية، ومياه الصرف الصحي يتم صرفها في البحر بعد تنقيتها، وهو ما أهّل المنطقة لأن تحصل على أربع شهادات بيئية دولية خاصة بـ«العالم الأزرق”. وتعد البحيرات المترامية عبر سهول قرى أوردو إحدى أهم السمات التي تتميز بها المنطقة عن باقي المحافظات، ومن أشهرها بحيرة “أولو” التي تبعد عن مركز المدينة بنحو 17 كلم وتقع بمدينة “كولوكوي”، وهي بحيرة تتربع على فوهة بركان ومحاطة بأشجار اللينوس والبلوط.وإلى جانب البحيرات والشلالات تشتهر المدينة بامتلاكها لأطول الشواطئ وأنظفها في البحر الأسود، أهمها شاطئ “تشاكي أوفيرلي” الموجود بكورنيش المدينة. ومن أشهر المصايف في أوردو نجد هضبة “إيباستي” الموجودة بمصيف “برشامبة”، وهي الهضبة التي تتلاقى فيها الفصول الأربعة في يوم واحد خلال فصل الربيع، فهناك يمكن أن تجد الشمس مع الثلج. ويبلغ ارتفاع الهضبة نحو 700 متر على سطح البحر، وكان يقصدها قديما أتراك من أواسط آسيا، وهناك يقيمون احتفالاتهم فتجري الخيول ويلعب الأطفال مع الفرسان. وتعد الهضبة الآن خلال فصل الصيف إحدى أهم الأماكن التي يقصدها السياح. وفي شهر جويلية من كل عام ينظم مهرجان برشمبة، وفيه تنظم العديد من الفعاليات مثل المسابقات والعروض الفلكلورية والحفلات الموسيقية والفعاليات الاجتماعية والثقافية، إلى جانب سباق الخيل ورياضة المصارعة. وفي هذه الهضبة يوجد نهر “مندرس” وهو أحد الأنهار الملتوية النادرة على مستوى العالم، ويبلغ طوله أكثر من 16 كلم وعرضه أربعة أمتار؛ هذا النهر ينبع من الجبال المجاورة قبل أن يتجمع في بحيرة برشمبة، ليخترق سهل مندرس ويرسم لوحة رائعة الجمال تزيدها قطعان الماشية المترامية على الهضبة الخضراء جمالا نادرا. وغير بعيد عن “مندرس” تعيش عشرات الأحصنة البرية في هدوء وسط السهول والغابات دون مضايقة البشر.وإذا أردت ممارسة رياضة القفز المظلي الجانبي فما عليك سوى أن تقصد “بوزتبة” التي ترتفع 450 متر على سطح البحر، وتطل على مركز المدينة. ورغم غلاء سعر الجولة فوق المدينة بالمظلة (150 ليرة تركية) إلا أن الإغراء الذي يمارسه مشهد المدينة من أعلى الهضبة على السياح يدفعهم لانتظار ساعات من أجل توثيق لحظات الطيران فوق أوردو بصور “السيلفي”. والوصول إلى أعلى الهضبة يكون عبر التنقل في رحلة ممتعة بأحدث “تليفريك” في تركيا.وما يلفت انتباه أي زائر لأوردو هو كثرة المنتجعات السياحية، خاصة وسط الغابات وفي الجبال وعلى ضفاف البحيرات والأنهار؛ ففي صباح اليوم الثاني توجه بنا المرشد السياحي في مسيرة ثلاث ساعات على متن السيارة وسط الجبال وأشجار البندق والصنوبر وعلى ارتفاع فاق 1800 متر على سطح البحر، حتى يخيل للمرء أن الحياة منعدمة في هذا المكان بعد هذه المسافة الطويلة المليئة بالمناظر الساحرة، قبل أن ينتهي بنا المطاف أمام منتجع سياحي بمنطقة تدعى “كامباسي” تطل على البحر الأسود وشطآنه الطويلة، وهي مزار الآلاف من عشاق السياحة الجبلية، خاصة في فصل الشتاء حيث يستقطب هواة رياضة التزحلق على الثلج. وعلى هذا الارتفاع الشاهق وكباقي مناطق المحافظة تصادفك عشرات المناظر التي ترغب في البقاء فيها فترات أطول من أجل التأمل والتمتع بإبداع الخالق أو على الأقل التوقف عندها لدقائق لتوثق المشهد بصورة من هاتفك الذكي، وهي لحظات كافية لتسترجع مناظر بانورامية من جيجل وبجاية وعين تيموشنت لا تقل جمالا وإبداعا، إلا أنها لا تحظى بالتقدير والاهتمام نفسه الذي يوليه الأتراك للثروة السياحية.جمال الطبيعة يحتضن التاريخ والأساطيروإلى جانب زخم الطبيعة، تشتهر أوردو بجوامعها الخشبية التاريخية، فخلال تجوالنا بين قرى أوردو وشعابها صادفتنا الجوامع المشيدة بالخشب على نمط العمارة التقليدية التي تميز أواسط آسيا ومنطقة الأناضول؛ بعضها قديم جدا لكنه ما يزال صامدا كصمود السكان وتشبثهم بتاريخهم وتراثهم، وكون تلك المساجد مبنية بالخشب فإنها تشكل صورة متناسقة تضفي رونقا وبهاء على طبيعة المدينة. وإلى جانب الجوامع الخشبية التاريخية تنتشر بأوردو الجوامع العثمانية الرائعة، وأشهرها جامع العزيزية، وجامع ابراهيم باشا، والجامع المركزي وجامع قصر خزندار أوغلو.وإلى جانب الجوامع تشتهر أوردو بكنائسها التاريخية، وأشهرها كنيسة “ياسون”؛ واسم “ياسون” مرتبط في المخيال الشعبي لسكان المنطقة بالزعيم الأسطوري للأبطال “ياسون” الذي أبحر في البحر الأسود بسفينة تسمى “آرغو” من أجل البحث عن الفرو الذهبي. وتعلو كنيسة “ياسون” قبة صغيرة ثلاثية الإحداثيات، واستخدمت في واجهتها الأحجار الغامقة والفاتحة اللون، وتم ترميمها في عام 2004 ترميما مطابقا لأصلها وباتت اليوم مزارا وقبلة للمسيحيين من مختلف أصقاع العالم. ومنذ العصر القديم وهذا المكان يسمى بـ«قرن ياسون” وفيه شيدت الكنيسة عام 1869، وكانت المنطقة قديما مركزا للتجارة البحرية. وتحوي منطقة ياسون التي يحج إليها سكان المنطقة مساء للاستمتاع بغروب الشمس أحواضا سمكية يتجاوز عمرها 4 آلاف سنة نحتت من الحجارة.وقبل مغادرة أوردو قمنا بزيارة متحف المدينة بمنطقة السليمية، القابع في شارع “تاش أوجاك”، وشاهدنا قصر أو بيت باشا وهو عبارة عن منزل يتميز بصنعة حجرية غنية، ويعود الفضل في إنشائه لــ«باشا أوغلو حسين أفندي” عام 1896، وزين سقفه الخشبي في الردهة الموجودة في الطابق العلوي بزخارف الدهان الزيتي على الورق، وافتتح المتحف للزوار عام 1987، وفيه آثار قيمة جديرة بالمشاهدة يعود تاريخها لــ3 آلاف عام، إلى جانب المخطوطات والأختام والنقود المعدنية.وغير بعيد عن أوردو توجد قلعة أونيا، وهي من أهم الأماكن التاريخية المليئة بالألغاز، وتشكل مصدر جذب وإلهام للسياح، كونها تحوي دهاليز يقال إنها تنزل أسفل الأرض وتصل حتى البحر. تبعد القلعة بنحو سبعة كيلومترات عن مركز المدينة، وتقع على طريق “أونيه-نيكسار”، ومقامة على هضبة بركانية ولا يعرف تحديدا تاريخ بنائها.البندق.. نفط “أوردو”أوردو مدينة منبسطة بين أحضان الطبيعة الخضراء، المزينة بحقول البندق التي تشتهر بها، وتعد مصدر دخل العائلات القروية، حيث يقوم السكان بتنظيم مهرجان سنوي يحمل عنوان “مهرجان البندق الذهبي”، ويحتفل الأهالي في سبتمبر من كل عام بإنتاجهم الوفير. وتعد المحافظة المنتج الأول للبندق في العالم، بإنتاج سنوي يفوق 600 ألف طن، وهي بذلك تنتج ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي، وتقدر قيمة صادرات تركيا من البندق بملياري دولار. ويصف أحد باعة المكسرات أوردو بأنها مزرعة من أشجار البندق، إذ من النادر أن تشاهد أشجارا غير أشجار البندق سواء في المزارع المنظمة أو الغابات الجبلية. ويكتسي البندق مكانة خاصة في الثقافة الشعبية لسكان أوردو، إذ لا يخلو أي نشاط شعبي أو رسمي من الاعتزاز والافتخار بهذا الكنز الثمين، إذ يحضر على رأس قائمة الهدايا التي يقدمها السكان لضيوف المدينة، ويعتبره السكان المحليون نفط المنطقة أو الذهب الأخضر، باعتباره العمود الفقري للنشاط الاقتصادي للمحافظة، خاصة أن هذه المادة يتم استغلالها في منتجات عديدة وتعد أحد أهم مكونات الشوكولاطة، لذلك أقامت الماركة العالمية “ساغرا “ أكبر مصنع لها قرب مدينة أوردو.تراث وتقاليد تضمن الفرجة الشعبيةتزخر المنطقة بالعديد من المهرجانات والاحتفالات، منها العصرية ومنها التقليدية، غير أن التظاهرة الأكبر هي احتفالات الأهالي بقدوم الربيع، وهي المناسبة التي يتوافد فيها سكان شمال تركيا إلى شاطئ المدينة الذي يمتد على طول مائة كلم، للاحتفال بهذا المهرجان الذي يطلقون عليه اسم مهرجان “السابع من أيار”. وخلال المهرجان تعج شوارع المدينة بالباعة الذين يفترشون الأرض ويعرضون منتجاتهم التقليدية يدوية الصنع، وستجد كل شيء من ملابس تقليدية وهدايا تذكارية وفطائر ومعجنات ومكسرات بمختلف أنواعها. كما يرى السكان أن هذا اليوم فرصة للتضرع إلى اللّه لتحقيق أمنياتهم، من خلال شرب ماء النبع والدعاء بالقرب من ضريح أحد الأولياء الصالحين بالمنطقة، وهو أفضل يوم للبحث عن زوج أو زوجة حسب معتقدات سكان المنطقة.ومن خلال مهرجان الربيع تبرز أوردو ثقافتها وتراثها بكل أبعاده وتجلياته. وعلى ضفاف البحر الأسود تقام مهرجانات شعبية متعددة، وتسير الفرق الفولكلورية عبر الساحل بملابس تقليدية، كما لا يخلو المهرجان من أغان شعبية، أشهرها موسيقى “الهورون” التي يرقص عليها أغلب سكان البحر الأسود، وهي رقصات تشبه كثيرا رقصة الدبكة السورية، فالجميع هنا يجيد هذه الرقصة.وغير بعيد عن مكان المهرجان، اتجهنا نحو متحف إعلامي في الهواء يقول المشرفون عليه إنه الوحيد في العالم، به نسخة من أول جريدة قروية تأسست في العالم تحت عنوان “كوزل أوردو” أصدرها الصحفي بلال كويدان، الذي كان له الفضل في صنع أول آلة طابعة في تركيا، وقام بإصدار الجريدة رفقة زوجته في عام 1927 أي أربع سنوات بعد انهيار الخلافة العثمانية، حسب رئيس جمعية الصحفيين بأوردو. هذا التاريخ العريق للمحافظة في الصناعة الإعلامية جعل منها اليوم تعيش مشهدا إعلاميا رائدا في تركيا، بتواجد 10 جرائد يومية محلية و5 قنوات تلفزيونية، منها ثلاث فضائيات و10 إذاعات محلية، رغم أن تعداد السكان لا يتجاوز 750 ألف نسمة!اللبن الجبلي وأقداح شاي “ريزا”.. رفيقك الدائميتميز ساحل البحر الأسود بتقاليد تختلف عن باقي المناطق التركية، فسكان هذه المنطقة محافظون مقارنة بإسطنبول وأنقرة، ولم تشوه العولمة بعد مظاهر حياة أهالي المنطقة، فالنسيج العمراني لازال محافظا على أصالته ونادرا ما تجد بيتا شذ عن التصميم العثماني القديم خاصة في الأرياف، كما أن أهالي المنطقة لا يزالون متشبثين بمهن الأجداد، خاصة الرعي وتربية الأنعام، وطباع الجود والكرم أيضا من شيم أهل المنطقة خاصة في القرى والمداشر، فإذا عرف شخص أنك أجنبي فسيبادرك مباشرة “أشكاديناز” والتي تعني “مرحبا”، وستكون مجبرا في الغالب على تلبية دعوته لشرب شاي “ريزا”، وهو شاي ينتج على ضفاف البحر الأسود بمنطقة ليست ببعيدة عن أرودو تسمى “ريزا”. فهذا الشاي يحاصرك حيثما ذهبت وحللت في سواحل البحر الأسود وعشق الأتراك لهذا المشروب لا حدود، ولن نكون مبالغين إن قلنا إن استهلاكه يتفوق على شرب الماء.جود سكان المنطقة لا يقتصر على شاي “ريزا” فقط، فاللبن الجبلي الطبيعي أيضا سيكون رفيقك الدائم في جميع وجباتك طول اليوم التي تكون في الغالب وجبات نباتية، فهذا اللبن والذي يسميه الأتراك “آيران” مصدره مراعي “برشامبا” الشهيرة بتربية الماشية والأبقار.أوردو.. السياحة أولا السياحة ثانياالجمال الأخّاذ الذي وهبه اللّه لهذه المنطقة لا يخفى على بصير، فهي حقا قطعة من الجنة كما يصفها كل زائر لها، لكن هذا غير كاف لجعلها قبلة سياحية ناجحة باعتراف والي الولاية “عرفان بلقان أوغلو”، الذي صرح لـ«الخبر” أن الدولة وضعت منذ فترة إستراتيجية لاستقطاب السياح ومنافسة إسطنبول وطرابزون وغيرهما من مناطق الجذب السياحي، ويقول الوالي إن الإستراتيجية في طورها الدعائي بعد توفير أقصى ما يمكن تحقيقه في البنى التحتية، خاصة بعد تدشين المطار الجديد الذي فك العزلة عن المنطقة، وكذا تعبيد الطرق المؤدية لمختلف الأماكن السياحية خاصة في قمم الجبال، وبناء الفنادق التي تبلغ طاقتها الاستيعابية حاليا أكثر من 5 آلاف سرير وكذا عشرات المنتجعات الفخمة في قمم الجبال ووسط الغابات وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات. فالجميع هنا، من مجتمع مدني ومسؤولين محليين وحتى مواطنين عاديين، حريص على نقل المنطقة من اقتصاد البندق إلى اقتصاد قائم على السياحة، كما تتوفر المدينة على معهد خاص بتكوين اليد العاملة في القطاع السياحي. وعن استجابة المواطن لهذا المسعى يكفي القول إنك ستتعب نفسك في البحث عن كيس بلاستيكي مرمي في الشارع.. فنصف جمال هذه المدينة هو النظافة.الجدير بالذكر أن أوردو تمنح إمكانية التملك لغير المواطنين الأتراك، ويمكن لأي أجنبي شراء سكن والحصول على جنسية تركية بعد خمس سنوات من عملية الشراء، واللافت أن أسعار السكنات معقولة جدا مقارنة بالجزائر، وتبدأ أسعار بعض الفيلات من 50 ألف دولار أي ما يعادل 500 مليون سنتيم بالدينار الجزائري. بالمقابل، دعا والي الولاية، عرفان برقان أوغلو، في حديثه لـ«الخبر”، كل المستثمرين الأجانب للاستثمار في قطاع السياحة بولايته وتعهد بمنح امتيازات كبيرة لمن يلبي الدعوة.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات