38serv
يقول الحقّ سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ”، وهذه الآية فيها إرشاد وتحذير، فالأمر بالاستجابة لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم إرشاد للعباد لما هو صلاحهم وخيرهم في الدّنيا والآخرة، والإخبار بأنّ الله يحول بين العبد وقلبه تهديد وتحذير من عدم الاستجابة.واللافت أنّ جملة التّحذير من الآية افتتحت بـ«اعْلَمُوا” للاهتمام بما تتضمّنه، وحثّ المخاطبين على التأمّل فيما بعده لفتًا لأذهانهم، وفيه تعريض بغفلتهم عن أمر مهم، هو هذه الحقيقة العظيمة الّتي تقرّرها “وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ”. والمقصود من هذا تحذير المؤمنين من كلّ خاطر يخطر في النّفوس: من التّراخي في الاستجابة إلى دعوة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم والتّثاقل في تلبيتها، أو التستّر في مخالفتها نفاقًا أو ضعفًا.وتحذيرهم من أن يردّوا أمر الله أوّلَ ما يأتيهم، فيحال بينهم وبينه إذا أرادوه بعد ذلك، وتختلف قلوبهم، فإنّ الله يقلّب القلوب حيث شاء ويصرّفها أنّى شاء. ومصداق هذا المعنى ما رواه النّواس بن سمعان رضي الله عنه قال سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقولُ: “مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاَّ وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ، وَكَانَ يَقُولُ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قُلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ” رواه أحمد.يقول صاحب الظِّلال تعليقًا على هذه الآية: “ويا لها من صورة رهيبة مخيفة للقُدرة القاهرة اللّطيفة.. “يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ” فيفصل بينه وبين قلبه، ويستحوذ على هذا القلب ويحتجزه، ويصرّفه كيف شاء، ويقلّبه كما يريد. وصاحبه لا يملك منه شيئًا، وهو قلبه الّذي بين جنبيه!.. إنّها صورة تستوجب اليقظة الدّائمة، والحذر الدّائم والاحتياط الدّائم. اليقظة لخلجات القلب وخفقاته ولفتاته، والحذر من كلّ هاجسة فيه، وكلّ ميل مخافة أن يكون انزلاقًا، والاحتياط الدّائم للمزالق والهواتف والهواجس.. والتعلّق الدّائم بالله سبحانه مخافة أن يقلّب هذا القلب في سهوة من سهواته أو غفلة من غفلاته أو دفعة من دفعاته..”.*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات