38serv
قال رئيس مركز الخليج للأبحاث، الدكتور السعودي عبد العزيز بن صقر، إن داعش يعطي أولوية لـ«بناء الدولة الإسلامية” تحت سيطرته وبناءً على عقائده، أما تنظيم القاعدة فهو يعتبر بناء الدولة الإسلامية هدفا ولكنه ليس على رأس أولوياته، وحسبه، فإن التنظيم الآن يمتلك خلايا عاملة في دول مجلس التعاون الخليجي. وأشار المتحدث، في حوار لـ«الخبر”، إلى أن استهداف المملكة العربية السعودية من قِبل داعش حدث قبل بداية الأزمة في اليمن، لذا فإن أزمة اليمن قد تكون عاملا مساعدا ولكنه ليس العامل الأساسي.تم الكشف عن هوية مرتكب التفجير الانتحاري الأخير بالكويت، وتبين أنه مواطن سعودي. هل يمكن القول إن ذلك يعني نجاح داعش في أن يجد موطأ قدم له بالمنطقة، خاصة أن العملية الأخيرة التي تمت بالسعودية بينت أيضا أن مرتكبيها سعوديون؟ تنظيم داعش الآن حوّل جزءا كبيرا من اهتماماته وطاقاته للعمليات ضمن دول الخليج العربية. والتنظيم في مواجهة علنية مع دول الخليج، خاصة منذ دخول هذه الدول وبشكل رسمي في التحالف الدولي – العربي لمحاربة داعش، الذي تم تشكيله في أوت 2014. ومنذ الدخول في المواجهة العلنية والمفتوحة مع تنظيم داعش، قام الأخير بتنفيذ نوعين من العمليات الخارجية والداخلية استهدفت المملكة ودول المجلس، تمثلت أولا في عمليات الهجوم على المراكز الحدودية المشتركة بين العراق والمملكة. وهنا نتحدث عن هجومين فعليين على الأقل على المراكز الحدودية السعودية، الأول كان هجوما مسلحا على مخفر عرعر في 5 جانفي 2015، أدى إلى مقتل قائد حرس حدود المنطقة الشمالية مع ثلاثة عناصر عسكرية أخرى. والثاني في 25 أفريل 2015، على مخفر “مكر النعام” الحدودي، استخدمت فيه أربع سيارات مفخخة بهجمات انتحارية متتالية.أما الثانية فأتت عمليات الهجمات الإرهابية على أهداف مدنية داخل دول المجلس، وهنا نتحدث عن ثلاث هجمات إرهابية فعلية تمت في المملكة خلال فترة زمنية قصيرة، وهجوم واحد في دولة الكويت. ومما لا شك فيه أن التنظيم الآن يمتلك خلايا عاملة في دول مجلس التعاون الخليجي. وتنفيذ هذا العدد من الهجمات الإرهابية في فترة زمنية قصيرة هو ناقوس خطر يشير إلى تعزيز إمكانيات داعش داخل دائرة دول مجلس التعاون.ما الهدف من وراء استهداف الأقليات الشيعية في منطقة الخليج في أوج الحرب في اليمن، وتمدد داعش في العراق وسوريا؟ على النقيض من تنظيم القاعدة، فإن تنظيم داعش يؤمن بأهمية الصراع الطائفي، وأهمية حشد الدعم الطائفي له من قِبل أبناء أهل السنة. فاستهداف الطائفة الشيعية سيعني انهيار علاقة التعايش بين الطوائف المختلفة في المجتمعات العربية والإسلامية، وهذا يعني منح داعش قيادة الصراع. فداعش يشهد نجاح إيران في الحشد الطائفي وتأسيس مليشيات مسلحة على أسس الولاء الطائفي، مثل حزب اللّه اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية، لذا قرر التنظيم توظيف التكتيك الإيراني نفسه، والاعتماد على تسريع وتأجيج الصراع الطائفي من أجل تحقيق أهدافه الخاصة. فالتنظيم يحاول أن يقول إنه القوة الشرعية والقادرة التي تدافع عن طائفة أهل السنة أمام هجمات طائفية إيرانية (أو أعوان إيران) وتوسع النفوذ على أسس طائفية. ومن المؤسف أن المواجهة الآن في سوريا والعراق ولبنان تحولت إلى مواجهات طائفية، والمليشيات الطائفية الشيعية المسلحة المرتبطة بإيران أمست تلعب دورا يفوق ويتجاوز دور الدولة الرسمية، وهذا ما يخدم المصالح الاستراتيجية الإيرانية.وجّه البعض أصابع الاتهام إلى إيران بالوقوف وراء العمليات التي تمس الحسينيات والمساجد الشيعية، ماذا يمكن أن تجني إيران من ذلك؟ يجب التذكير بأن جذور تنظيم داعش تعود إلى جماعة التوحيد والجهاد التي تأسست بعد الغزو الأمريكي للعراق، وكانت بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ثم أبو عمر البغدادي، وأخيرا أبو بكر البغدادي. جميعها تعود إلى أصول المقاومة السلفية المسلحة في العراق، التي قامت ضد المحتل الأمريكي وأعوانه. وخلال مرحلة معينة وجدت إيران أن لها مصلحة استراتيجية بتوفير الدعم لهذه المجموعات الإسلامية المتطرفة التي تقاتل المحتل الأمريكي في العراق. فإيران عملت على هدف إفشال الغزو الأمريكي ومنعه من التمدد إلى إيران. من هنا جاء زواج المصلحة بين “أسلاف داعش” والأجهزة المخابراتية الإيرانية، على قاعدة عدو عدوي صديقي. ولكن بعد الانسحاب الأمريكي من العراق وجدت إيران أنها لم تعد بحاجة للتحالف التكتيكي مع هذه الجماعات المتطرفة.إن صحت فرضية استمرار دعم إيران لهذا النوع من الهجمات ذات الطبيعة الطائفية فهذا يعني أن إيران سائرة بتعميق الصراع الطائفي، وتأمل بتعميق الاعتقاد عند أهل المذهب الشيعي من العرب بكون إيران هي الحامية الوحيدة لهم من إرهاب الطرف الآخر، وكون الصراع الطائفي أصبح حقيقة لا يمكن تجاوزها، ما يتطلب “اصطفافا طائفيا” وتأسيس قواعد الولاء الطائفي بدلا من الولاء الوطني أو القومي.ألا تعتقد أن الحرب في اليمن فتحت أيضا على المملكة السعودية جبهة جديدة، تستغلها التنظيمات المسلحة للاختراق والتمدد داخل الأراضي السعودية ودول الخليج؟ استهداف المملكة العربية السعودية من قِبل داعش حدث قبل بداية الأزمة في اليمن، وبالتحديد منذ أوت 2014، عندما لعبت المملكة دورا محوريا في تأسيس التحالف العربي – الغربي لمحاربة داعش، لذا فإن أزمة اليمن قد تكون عاملا مساعدا ولكنه ليس العامل الأساسي في هذه القضية.إلى أي مدى يمكن للتنسيق الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة أن يساهم في تحجيم الظاهرة، وما الدور الذي تلعبه إيران وتركيا في منطق التجاذبات القائمة في المنطقة، مع رغبتهما في لعب دور القوى الإقليمية المؤثرة على المنطقة؟❊ لا يمكن تأسيس استراتيجية فعالة لمحاربة داعش وباقي التنظيمات المتطرفة دون وجود تنسيق وتعاون أمني لدى جميع الأطراف. ولكن تجارب الماضي أظهرت أن التنسيق الأمني يواجه عقبات وصعوبات مردها حقوق السيادة واستقلالية الدولة ومحاولاتها حماية مواطنيها، وغيرها من العوامل التي تحدّ من تأثيرات التنسيق الأمني. دور تركيا كان إيجابيا في معظم الحالات، وخاصة في ابتعاد تركيا عن استخدام ورقة الصراع الطائفي التي وظفتها إيران بقوة وإصرار. وتركيا دولة أساسية في منظومة حلف شمال الأطلسي الدفاعية، لذا فإن لها مصلحة خاصة في دفع عجلة التنسيق الأمني. هذا الموقف غير متبع في إيران، خاصة في ظل دعم إيران للمليشيات الطائفية الشيعية المسلحة في العراق ولبنان وسوريا، والتي لا تقلّ خطرا من تنظيمات التطرف السلفي مثل داعش والقاعدة.هل يتحوّل مجال المواجهة القادمة من القاعدة إلى تنظيم داعش، الذي يتمدد ويحقق اختراقات أمنية في عدة مناطق منها الخليج العربي؟ تنظيم القاعدة في انحسار كبير سياسي وعملياتي، ولم يتبق للتنظيم أي قواعد مؤثرة خارج تواجده الفعال في اليمن. وحتى التواجد في اليمن، فإن تنظيم داعش قرر تحديه في عقر داره. فالعمليات الانتحارية الأخيرة التي نفذت ضد أهداف حوثية داخل صنعاء أعلنت داعش أنها هي من كانت وراءها وليس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، ومنه هجمات 20 مارس 2015 الدامية، التي استهدفت مسجدي بدر والحشوش بصنعاء وأسفرت عن 142 قتيل، بينهم المرجعية الديني للحوثيين إمام جامع بدر، المرتضى زيد المحطوري، وهو أحد أهم مراجع المذهب الزيدي في اليمن، إضافة إلى 351 جريح، لذا فإن تنظيم داعش يبدو أنه يمتلك قدرات واسعة لتجنيد العناصر، وقدرات كبيرة للحد من ضغوط أو نجاحات الأجهزة الأمنية في محاربته، وقدرة عالية على التخطيط وتنفيذ العمليات النوعية. كيف ترى المملكة ظاهرة داعش، فهي على نقيض القاعدة أضحت تحتل أراض واسعة في العراق وسوريا وليبيا، وأطلق عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وتهدد الآن دولا أخرى منها الأردن، وتسعى لإيجاد مكان لها في الخليج؟ هناك اختلافات جوهرية واضحة بين تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، فداعش يعطي أولوية لـ«بناء الدولة الإسلامية” تحت سيطرته وبناءً على عقائده، أما تنظيم القاعدة فهو يعتبر بناء الدولة الإسلامية هدفا ولكنه ليس على قمة أولوياته، ولذلك فإن تهديدات تنظيم داعش هي تهديدات جغرافية وتوسعية تحاول أن تتمدد على الأرض وفي النفوذ. وهذا مما لا شك فيه يشكل تهديدات جدية لجميع دول المنطقة، ومن ضمنها دول مجلس التعاون الخليجي. فحسب مفهوم تنظيم داعش فإن بناء واستمرار “الدولة الإسلامية” التابعة للتنظيم هو نواة إعادة بناء “الإمبراطورية الإسلامية”، والتي تكون بدورها نواة لفرض سيطرة الإسلام على جميع أجزاء العالم.ما الذي يساعد داعش في التمدد السريع، رغم وجود ائتلاف دولي يواجهه، ورغم غياب خلفية إيديولوجية يستند إليها وشخصيات رمزية كما كان عليه أسامة بن لادن مثلا. وهل ساهمت داعش في إطلاق رصاصة الرحمة على القاعدة التي تراجعت مع مقتل أبرز قادتها وعلى رأسهم بن لادن؟ تنظيم داعش أكثر شراسة وإجراما من تنظيم القاعدة، وهذا الصوت المرتفع والقسوة وانعدام الرحمة قد ولّد عامل الردع لدى أعداء التنظيم ومعارضيه. لذا فإن فقدان المعارضة أو حتى انعدامها في مواقع كثيرة أدى إلى سهولة توسع نفوذ التنظيم وتمدده الجغرافي. فداعش يتفنن في عقاب أعدائه، وأسلوب العقاب الرادع هو أسلوب علني، يتمتع بإسناد جهاز إعلامي محترف يساهم في إرسال رسالة الردع والرهبة والتحذير. لذا فإن التردد في مقاومة داعش في مناطق سيطرته أمسى الصفة الغالبة على أكثر المواجهات مع التنظيم. تنظيم داعش لا يقوم على شخصية قيادة مركزية، ولا يتبع نظرية “القائد الرمز”، لذلك فإن مقتل قيادات التنظيم السابقة مثل أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي، إلى جانب قيادات كبيرة لم يؤثر على مسيرة التنظيم بشكل كبير. التنظيم يقوم على أسس القيادة الجماعية، ومن ثم فهو قادر على التعامل مع ظاهرة فقدان القيادات الفردية. وهذا الأمر هو أحد أهم عوامل نجاح التنظيم واستمراريته في البقاء والنمو رغم البيئة الصعبة التي يعمل من خلالها.المثير هو أنه رغم آلاف الغارات الجوية التي تستهدف داعش إلا أن التنظيم يتمدد ويكتسح مناطق أخرى، ما السبب في رأيك؟ ومن أين يستمد التنظيم كل هذه القوة؟ يستفيد تنظيم داعش أساسا من البيئة السياسية القائمة في العراق وسوريا، فالدور الإيراني السلبي في كلا الدولتين واستخدام الورقة الطائفية وظاهرة الفساد السياسي والتخندق الطائفي، جميعها عوامل مكنت التنظيم من تأسيس قاعدة نفوذ واسعة يختلط فيه عنصر التأييد مع عنصر الخوف. الغارات الجوية لها محدوديتها في التأثير الفعال على التطورات على الأرض، لذا فإن تنظيم داعش قد طور استراتيجية للتعامل مع الضغوط التي يولدها العمل الجوي. ويجب التذكير أن داعش وأسلافها (تنظيم التوحيد والجهاد، قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، الدولة الاسلامية في العراق..) جميعها تمتلك خبرة كبيرة في مقاومة سلاح الجو الأمريكي – الغربي منذ عام 2003 وحتى اليوم، حيث خضع التنظيم لهجمات سلاح الجو دون توقف. لذلك فإن التنظيم يمتلك خبرة قتالية وهيكلية تنظيمية وحرفية عالية، وهنا يكمن سر قدرات التنظيم على العمليات العسكرية والعمليات الإرهابية.هل تعتقد بأن قوى دولية ساهمت، بطريقة أو بأخرى، في البروز السريع لتنظيم “الدولة الإسلامية”، ولماذا تحول إلى عامل تجنيد حتى لدى جاليات مسلمة في الغرب؟ الانتصار والتوسع في الأرض والنفوذ عامل مهم لدعم عمليات تجنيد العناصر، وداعش حقق إنجازات كبيرة في فترة زمنية قصيرة، ما جعله المنافس الأساسي لتنظيم القاعدة بعد أن أصبحت معظم نشاطاته مجمدة أو غير مؤثرة. ومن ثم فإن تنظيم داعش يمتلك المقوّمات التي لم يعد يمتلكها تنظيم القاعدة الذي أثرت فيه الضربات الأمنية بشكل كبير دون امتلاكه القدرات لإيقاف التدهور. في تصورنا من الصعب الجزم بتمتع داعش بدعم أو إسناد من “قوى دولية” ولكن كانت هناك حالة تراخٍ في التعامل مع أخطار داعش المتنامية. هل كانت حالة التراخي متعمدة من أجل تحقيق مصالح محددة، ربما. فإيران استفاد من قتال داعش للمحتل الأمريكي في العراق لسنوات طويلة في استنزاف القوة الأمريكية ومنعها من تهديد إيران. أي أن هناك من استفاد ويستفيد من وجود داعش. وقائمة المستفيدين من نشاطات داعش طويلة، ومنها النظام الإيراني والنظام السوري والمليشيات الطائفية الشيعية، وحتى الجماعات الكردية التي وسّعت مناطق سيطرتها باسم قتال داعش. ألا تعتبر أن إسرائيل من أكبر المستفيدين من التحولات الدراماتيكية التي تعرفها المنطقة، مع ضمان اختلال في ميزان القوى، لاسيما بعد تحييد الجيوش العربية أو إضعافها، وهو ما يساهم في تهميش الاهتمام بالقضية المركزية فلسطين؟ دون شك فإن إسرائيل كانت وستكون أحد الأطراف التي ستسعى للاستفادة من حالة الانهيار الأمني القائمة في المنطقة، وخاصة من صراع الحكومات والدول الشرعية مع المليشيات المسلحة التي أمست تتنافس مع الدولة على عامل الشرعية وفرض السيطرة. وهنا لا نشير إلى داعش فقط بل إلى حزب اللّه في لبنان والجماعة الحوثية في اليمن والمليشيات الشيعية المسلحة في العراق، وغيرها. ولكن في الوقت نفسه، فإن الحالة القائمة تهدد مصالح إسرائيل الأمنية، وذلك لصعوبة التعامل مع هذه المليشيات وتعدد ارتباطاتها الداخلية والخارجية، فإسرائيل تواجه تحديا أمنيا لا يمكن إغفاله.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات