+ -

نشر الروائي محمد بورحلة رواية جديدة عن منشورات ”ميم” بعنوان ”قبل البدء حتى..”، أثارت انتباه القراء كنص روائي مختلف. وقال بورحلة الذي انتقل من الكتابة بالفرنسية إلى العربية في حوار مع ”الخبر”، إن روايته تتطرق إلى العلاقة مع الآخر، واعتبر أن الكتابة الأدبية هذيان عفوي وصادق، ذو شكل مميز يستعمل الترميز ويخضع لبعض التخطيط الذي تمليه الحياة التي تجهل الخطية. جاءت روايتك الجديدة ”قبل البدء حتى..” باللغة العربية بعد تجربة الكتابة بالفرنسية، لماذا وقعت على خيار اللغة العربية؟ تجربة الكتابة بالفرنسية تابعة للكتابة بالعربية، إذ إن أولى رواياتي ”الخبز والإدام” كانت بالعربية. أما خيار العربية فهو طبيعي لأنها لغتي الأم وترجمان وجداني ثم فضاء تطلعاتي ومعاركي والتحديات التي تواجهني. هي المكان الذي يتطلب كيمياء التعيين اللغوي، الاجتماعي، التاريخي والوجودي أن أتواجد فيه. لا يعني ذلك الانقباض على الهوية، المفهوم الذي لا يخلو من اعتبارات أيديولوجية، ولا الانكفاء أو رفض الآخر. أما ما كتبت بالفرنسية فيعود إلى ظرف تاريخي ثم كوني أمقت البتر وشعوري بأن الرقابة الذاتية فيها غير ذات أهمية من الناحية العملية، رغم علمي بأن ”الأنا” الذي جراء الكتابة يطفو على سطح الورق مغتصب لا محالة. ثم إن الفرنسية ليست الملكية الخاصة لـ ”سانت أرنو” كما أن العربية ليست إرث ”شيخ الجبل”.هل يمكن أن نقرأ هذه الرواية من زاوية العلاقة مع الآخر، من منطلق وجود علاقة تواصل بين ”سعيد” و ”ميشال”؟ نعم، الرواية من خلال قصة ”سعيد” و ”ميشال” تتطرق إلى العلاقة مع الآخر، وفي سياق ذلك إلى مفاهيم مثل اللغة، الهوية، المنفى، الجرأة.. إلخ.لماذا بقي ”سعيد” يواصل علاقاته مع باقي النساء بعيدا عن أنظار ”غزلان”؟ علاقة سعيد وغزلان عبارة عن الزواج الفاشل لم يبقها إلا وطأة العرف وبعض الرأفة. أما علاقته بباقي النساء، فكانت لا تعود إلى كونه زير نساء بل إلى سعيه اليوتوبي من خلالهن.نجد في الرواية أن ”سعيد”جرب كل التيارات الأيديولوجية التي تعرفها الجزائر، ليكتشف في الأخير زيفها، هل هذا يعني أنه محكوم عليه بالعدمية؟ لا، أبدا.. سعيد حالم مجنون ومصدوم لكنه، رغم يأسه ليس عدميا، إذ لا يعتقد أن العالم، رغم ما فيه من عبث، والإنسان عديما القيمة. فإذا كانت العدمية البحث عن الحرية ونقد القيم وتراتبيتها ورفض الأمل والوجود البليد، فيمكننا أن تقول إن في ”عمر” بعض ما يشبه العدمية.سعيد في الرواية يشبهك كثيرا، فهو يكتب مثلك باللغتين العربية والفرنسية، هل يمكن أن نعتبر أن ”سعيد” هو محمد بورحلة؟ قد يكون في ”سعيد” بعض ملامح الكاتب، لكنه ليس الكاتب ولست ”سعيد” ولا ”فلوبير” الذي كان يقول ”مدام بوفاري هي أنا”، مع التذكير بأن جيرار جينيت فند هذه المقولة.الرمزية كثيرة في الرواية، بالأخص رمزية مكان ”عين البرد”، هل هي مدينة متخيلة؟ التخيل انعكاس مرآة الحقيقة ثم تأليف الصورة الذهنية التي تتجاوز الانعكاس، فتصير مشروعا. كما أن الأدب، حسب ”باشلار”، ”حلم يقظ ابتداء من الوعي بالعالم وقبل القطيعة الإبستمولوجية”. فـ ”عين البرد” نتيجة إسقاطات الواقع المعيش وإفراز مخيلة الكاتب.هل أردت من خلال هذه الرواية تقديم قراءة في تحولات المجتمع الجزائري منذ الاستقلال، بدليل أنك تناولت أجيال عديدة؟ نعم، حاولت ذلك من خلال تقديم قراءة أدبية للأحداث التاريخية.أدرجت القطار كرمزية قوية في الرواية، مثلما أدرجت رموزا أخرى، هل تؤمن بأن الرواية هي فن الرمز والمعادل الموضوعي؟ أعتقد أن الكتابة الأدبية هذيان عفوي وصادق، ذو شكل مميز يستعمل الترميز ويخضع لبعض التخطيط ”ترتيب الحلقات السردية” لذي تمليه الحياة التي تجهل الخطية. ما عدا ذلك، أحاول، أثناء الكتابة، أن أتجنب تأثير التنظير الأدبي. لا يضرني أن أقرأ عن ترميز الثيمة أو أتعرف على نظرية المعادل الموضوعي لدى ”تي. إس. إليوت”، فأقول إن روايتي قد استخدمت الأداة المناسبة للتعبير عن العاطفة، لكن ذلك لا يهمني حقيقة حين أكتب، بل أريد التخلص من رواسبه. الأديب هو الذي يكتب الأدب لا عنه. لا يهمه إن كان نصه مساحة ظواهر أو إنتاجية لاواعية؛ انشغاله الدائم بذلك قد يخصيه. يمكننا أن نكون أدباء مع جهلنا بـ”باختين”و”لوكاش” أو نكتب نصوصا ضحلة رغم قراءتنا لـ ”كريستيفا” و”جادامير”. فمقولة ”موت المؤلف” لا تشعرني بتفوق النص بحيث تكون علاقة الناقد مع التمفصل المزدوج وحده بل بتفوق النقد، أي المرحلة التي يصير فيها النقد هو الإبداع. تلك المرحلة هي التي يكشف فيها النقد عن طبعه الشمولي فيصير مرشد الذوق والأديب خاضعا لمسلماته. يحبذ ابتعاد الأديب عن ”ميتا لغة” النقد أو الاكتفاء بما هو سطحي منه حتى لا يصير كاتبا على الطلب.. فيكتب ليمتثل للنظرية لا لذاتيته.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: