38serv
شدّد الدكتور حمزة بن عليّ الكتّاني، الباحث المغربي في التصوف الإسلامي، في حوار مع “الخبر”، على أنّ التّصوف علم يختصّ بفقه تربية النّفوس والقلوب وفق الأوامر الشرعية، إذ هو الّذي يحمي القلب من التعلُّق بغير الله تعالى والجوارح من مخالفة شرعه سبحانه وتعالى. مؤكّدًا أنّ هذا العلم نشأ مع نشأة الإسلام، ومارسه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وكبار الصّحابة رضي الله عنهم من بعده. معتبرًا إنكار السّلفيين له من باب “ينكرون كلّ ما لا يألفون، حتّى ولو عضده الكتاب والسُّنّة والإجماع”.ما هو التصوف؟ أوّلاً أشكركم وأشكر جريدة “الخبر” الغرّاء الّتي أتاحت لي هذه الفرصة للتّواصل مع قرائها.. بالنسبة للتّصوف فقد ذكر الشّيخ زروق رحمه الله في مقدمته معان لها، كما ذكر أنّ تعاريفه وصلت للألف أو تزيد، لخصّها في قوله:تنازع النّاس في الصّوفي واختلفوا وظنّه البعض مشتقًا من الصّوفولستُ أمنح هذا الاسم غير فتى صَفَا فصُوفِيٌّ حتّى سمّي الصّوفيفالحاصل التّصوف هو: العِلم المختصّ بفقه تربية النّفوس والقلوب، على وفق الأوامر الشّرعية، وما يتعلّق بذلك من وسائل ونتائج.فهو إذًا علم له قواعده واختصاصه هو نفس الإنسان، وتربيتها وفق ما أمر الله تعالى به، وأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك بإزالة ما يلازمها من الأخلاق الرّديئة، والأوصاف السيّئة، الّتي تجعل المرء بعيدًا عن طاعة الله تعالى، والاهتداء بهدي رسوله صلّى الله عليه وسلّم. كما أنّه متعلّق بلوازم أمراض القلوب ونتائج تزكيتها من واردات، وأحوال وعلوم ومعارف وتجليات ومقامات...إلخ.ما هو أثر التّصوف في أخلاق المسلم؟ ممّا لخّصته في تعريف التّصوف يظهر جليًا أثره على أخلاق المسلم، بأن يكون عبدًا لله ربّانيًا، متخلّقًا بأخلاق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، راحمًا لنفسه ولغيره، بانيًا في مجتمعه، داعيًا إلى الله تعالى وإلى الأخلاق الفاضلة، ذاكرًا لله تعالى، روحانيًا ربّانيًا، وشخص تجتمع فيه هذه الخصال، لا شكّ أنّه شخص مثالي، صالح، يعتبر لبنة مهمّة في مجتمعه، والمجتمع الّذي يكثر فيه أمثال هذا يكون مجتمعًا سليمًا من الآفات، موفّقًا من الله تعالى، سعيدًا في حياته، مسالمًا.وهل له تأصيل شرعي في ديننا الحنيف؟ ممّا لا شكّ فيه أنّه من حيث التّعريف أعلاه أنّ التّصوف يعتبر جوهر الدّين، إذ هو الّذي يحمي القلب من التعلّق بغير الله تعالى، والجوارح من مخالفة شرعه سبحانه وتعالى، ولذلك فهو الإحسان، إذ الإحسان كما في حديث جبريل الشّهير: “أن تَعبُد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك”... والأحاديث متضافرة على وسائل تربية النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم للصّحابة الكرام، ومعاملة كلّ منهم بحسب طبعه وما يقبله، وعرضهم رضي الله عنهم ما يمرّ بهم من الأحوال، والمنامات والكشوفات وموافقته للبعض وتنبيهه للبعض الآخر، وهذا كلّه صفة الشّيخ مع المريد ويرجع لصميم التّصوف.متى ظهر التّصوف تحديدًا؟ممّا سبق يُعلم أنّ التّصوف من حيث هو نشأ مع نشأة الإسلام، ومارسه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكبار الصّحابة من بعده، أمّا باعتباره علمًا من العلوم، فقد تبلور حين تبلورت العلوم الشّرعية ولعلّ من أوّل من تبلور التّصوف على يديه هو الصّحابي الجليل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، كما الأشاعرة من الصّحابة وأهل الصُّفّة كأبي موسى الأشعري، وأبي هريرة رضي الله عنهما، ثمّ مَن تبعهم من تلامذتهم كالحسن البصري وسعيد بن جبير وعليّ زين العابدين، وطبقتهم، وقد جمع أثوالهم وأحوالهم وطبقاتهم الإمام أبو نعيم الأصفهاني في كتابه “حِلْيَةُ الأولياء”، وهو كتاب مطبوع متداول.ما الغرض من تسمياته المختلفة: علم التّصوف، علم التّزكية، علم الأخلاق، علم الإحسان؟❊ السّبب في ذلك هو تعدّد وجهات التّصوف، فقد قال العلماء بأنّ كثرة التّسمية دليل على عظم المسمّى، ونظرًا لعناية علم التّصوف بالأخلاق، فقد سمّي بعِلم الأخلاق، وبأعمال القلوب، فسمّي بعلم القلوب وعلم التّزكية وبمراقبة الله تعالى فسمّي بعلم المراقبة وبالإحسان، وبما ينتج عن ذلك من المواجيد والعلوم الخاصة والرّقائق، فسمّي بعلم الرّقائق وعلم الأحوال... إلخ. وكما قيل: لا مشاحة في الاصطلاح.ما سبب تجاهل واستنكار السّلفية على التّصوف والصّوفية؟ للأسف السّلفية ينكرون كل ما لا يألفون، حتّى ولو عضده الكتاب والسُّنّة والإجماع، وسبب ذلك أنّ الفكر السّلفي الحديث هو فكر مادي بحت، مزيّن بمظهر ديني، وهو الحديث والسّلف، ومن سبر أخبار المحدثين وكبار أئمة السّلف، وجد أنّهم كانوا من كبار الصّوفية كشيخ الإسلام إسماعيل الهروي صاحب “منازل السّائرين”، فقد كان إمام المحدثين وإمام الصّوفية في زمنه، وهكذا، ولكن السّلفية المعاصرة هي فكر مادي بحت، لا يؤمن بالمشاعر والمواجيد، ولا بالكرامات واللّطائف، فجرت عادتهم على إنكار كلّ ما يمت لذلك بصلة... هدانا وهداهم الله تعالى بمنّه وكرمه.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات