38serv
من المنتصر أو المنهزم في الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى؟ في مثل هذه الحالات وخاصة المفاوضات التي حدثت في فيينا بين الدول الست الكبرى وإيران، لا يمكننا التحدث عن منتصر أو مهزوم، ولكن علينا التكلم عن النتيجة التي حققت المطلب الرئيسي لكل طرف وافق على تقديم تنازلات متبادلة سمحت بإيجاد حلول وسطى، تسوية في الحالة الإيرانية مع الدول الست الكبرى، ستكون من خلالها إيران مجبرة على وضع قيود تحد من قدرتها على استخدام القوة النووية تصل إلى 15 سنة، وفي بعض الأحيان قد تتجاوز ذلك، وهذا ما يعني طعنا في حقها الشرعي بمقتضى القانون الدولي، كما ستكون محرومة من التبادل التجاري في مجال بيع وشراء الأسلحة لفترة 5 سنوات، ناهيك عن مراقبة كل مواقعها النووية حتى إن كانت عسكرية. صحيح أن ذلك لن يتم بصورة مفاجئة وإنما بعد تشاور بين إيران والدول الست للحصول على موعد الزيارات، لكن في المقابل حققت حكومة روحاني مطلبها الأساسي الذي بنت عليه حملتها الانتخابية والمتمثل في رفع العقوبات الاقتصادية والمالية والتجارية، بالرغم من أن بعض الأطراف الإيرانية رأت في الاتفاق تدخلا لاحقا في السياسة الإيرانية، أما الدول الغربية فبلغت هي الأخرى هدفها الرئيسي منذ أزيد من 15 سنة بمنع إيران من صناعة السلاح النووي، مقدمة بذلك تنازلات عما كانت تسميه بالخطوط الحمراء، بتفتيش المواقع العسكرية دون أي قيد أو شرط وبصفة مفاجئة ودون أي تشاور مسبق.ما هي التداعيات الإقليمية لهذا الاتفاق على الدول العربية؟ يجب الانتظار قليلا حتى نرى كيف تتطور أو لا تتطور المواقف الإيرانية في هذا المجال، فالدول الغربية تراهن على أنه من خلال إعادة إيران إلى المجتمع الدولي وإقامة علاقات معها، سيدفع ذلك بإيران نوعا ما إلى الاعتدال والمرونة في سياستها، بدءا بالسياسة الإقليمية، على أن تبني إيران خطا وسطيا لا يمثل سياسة الدولة، وأن تنتهج إيران نهجا في المستقبل لا يتصادم مع الوجهات الغربية ومصالح الغرب في المنطقة، وهذا ما يراهنون عليه ويأملونه، لكن روحاني ووزير خارجيته سيحافظان على هذا المشهد في العلاقات الدولية ويطورانه، لكن الأكيد أن تحصد إيران رفع التجميد المالي المفروض على 150 مليار دولار، وهو المبلغ الضخم الذي ستتمكن من حصده لدعم التيارات والحركات والأنظمة، مثلا تساند النظام السوري في سوريا والحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والتنظيمات القريبة منها في العراق، وعليه يمكن أن يسمح هذا الاتفاق بإعطاء وسائل مادية تعطي إيران سندا جديدا لتمددها الجغرافي، لكن الغرب يقول أيضا إنه لا تزال في يده أوراق أخرى بإمكانه ممارسة الضغط بها، وحظر توريد الأسلحة لمدة 5 سنوات، وبإمكانه إعادة تلك العقوبات إذا ما أخلت إيران بالتزاماتها، وبالفعل هناك احتمالان كلاهما وارد: الأول أن تتجه إيران نحو سياسة معتدلة في المنطقة من أجل صيانة وتطوير هذا التطبيع الناشئ مع الدول الغربية، والثاني دعم التيارات الموالية لها في الشرق الأوسط بإمكانياتها المالية.كيف ترون اليوم علاقة إيران مع الدول العربية؟ في الواقع هذه العلاقة ستشهد عما قريب تطورا كبيرا في المجالين التجاري والاقتصادي، وكل وزراء الخارجية يتحدثون عن رغبتهم في تطوير هذه العلاقة مع إيران، ومنهم من زارها ومنهم من سيزورها كما هو الحال بالنسبة إلى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وكل دولة تحاول أن تحصل على نصيبها من الكعكة الاقتصادية، لكن يجب القول إن هذا الاتفاق لن يحول إيران من خصم للغرب بالضرورة إلى حليف لها، ولكنها ستنتقل إلى وضع آخر لا تنتقل من وضع الحليف إلى الشريك وإنما من الخصم إلى الشريك. وسوف تكون هناك فترة تشبه ما يسمى بفترة الخطوبة، أي سيراقب فيها كل طرف سلوك الآخر، إلى أن يعرف الطرفان الانسجام على أساس الملاحظات، لكي تصبح إيران شريكا دائما للغرب.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات