38serv
تطرق أستاذ العلوم السياسية بباريس الدكتور فؤاد نهرا، من خلال قراءته السياسية لواقع الجالية المسلمة بفرنسا إلى عدة جوانب، حيث قال بأن فرنسا تعتبر أول دولة في الاتحاد الأوروبي من حيث عدد ونسبة المسلمين فيها إذ يقدر تعدادهم بأكثر من 4 ملايين و800 ألف نسمة أي ما يعادل نسبة 7.5٪ من السكان، إلا أن غياب الإحصائيات الإثنية والدينية في فرنسا تفتح الباب أمام التكهنات والافتراضات المتفاوتة حول هذه الأرقام.اعتناق 4000 فرنسي الإسلام سنويا وخروج 600 شخص في العام من الإسلام إلى النصرانيةوأبرز المتحدث أن العدد الأوفر من المسلمين هم مواطنون فرنسيون من أصل مغاربي ومنهم من قدم من بلدان إفريقيا الوسطى ومن الصحراء وكذلك من تركيا وغيرهم، لكن التقديرات لا تستطيع أن تحدد بدقة نسبة المسلمين بالمعنى الديني، وتظل على مستوى تقدير المسلم السوسيولوجي فقط، أي ذلك المنتمي إلى عائلة مسلمة، ناهيك عن حركة الدخول في الإسلام والخروج منه باستمرار في فرنسا، حيث تحصي وزارة الداخلية الفرنسية عدد المعتنقين للإسلام سنويا بما يقارب 4000 شخص فيما تم تقدير عدد المسلمين المعتنقين للنصرانية وخاصة الإنجيلية منها بما يقارب 600 شخص في العام.خلافات سياسية وانقسامات داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلاميةويرى فؤاد نهرا أن الإسلام الفرنسي ليس واحدا بل هو عبارة عن مجموعة من المكونات: “منها تلك التي بدأت في خلق مؤسسته الرسمية، منذ عام 2003، المجلس الفرنسي التمثيلي للديانة الإسلامية بعد مضي فترة طويلة من دون مؤسسات معترف بها وفقا لقانون 1905، إذ ينتخب ممثلو المجلس من قِبل هؤلاء وفقا لبعض المقاييس، إلا أنه يبقى يشهد خلافات سياسية ويشكو من انقسامات تجاوزت تلك القائمة بين التيارات العقائدية وأصبحت بين الجنسيات المختلفة، حيث تنعكس الخلافات الرسمية بين المغرب والجزائر على أنماط التعامل، ضف إلى ذلك أنه في غالبيته ممثلا للإسلام السني مع وجود أقلية من المذاهب الأخرى، كما أن للطرق الصوفية المشهورة مكانا في هيكلية الإسلام الفرنسي أمام جاذبية هذه الأخيرة بالنسبة للعديد من الوافدين الجدد”. ولا بد من التنويه إلى المسألة اللغوية، يقول الأستاذ الجامعي، إذ إن نسبة كبيرة من الجالية الفرنسية من الأصول المغاربية المقيمة في فرنسا لا تتمكن من اللغة العربية إلا قليلا، ما يضعها أحيانا عقبة أمام قراءة النصوص التي لم تترجم وكذلك أمام فهم الآيات القرآنية ما لم تترجم، حيث يأتي تعلم حفظ القرآن أحيانا منفصلا عن تعلم قواعد الصرف والنحو اللغوية.محاولة إلغاء اليمين السياسي تاريخا كاملا من الفكر والتراث الفقهي الإسلاميويشير المتحدث إلى أن أغلب السياسيين من اليمين لم يميزوا بين الاندماج في المجتمع الفرنسي والذوبان فيه، لاسيما عندما دعا الغلاة منهم عام 2012 وقبل سحب المقولة إلى الاستعاضة عن العربية بالفرنسية في ممارسة الشعائر الدينية، ما يعني إلغاء تاريخ كامل من الفكر والتراث الفقهي والفلسفي، منوها بأن المسألة لابد أن تطرح بمنطق آخر وتقضي بأن يتمكن رجال الدين المسلمين في فرنسا من طرح الإشكاليات وتكييف المبادئ بشكل يتلاءم مع نمط عيش المجتمع الفرنسي: “ونعلم أن ثمة اجتهادا تقدم به عدد من المفكرين المسلمين المستنيرين، وتخلف عنه الكثير من التقليديين، ويمكّننا من التعامل الإيجابي والتكيف مع المجتمع ككل”.وزن أعضاء الجالية المسلمة في الحياة السياسيةويعتبر الأستاذ الجامعي أن مفهوم الجالية الإسلامية هو نوع من المجاز النظري بسبب تعدد أصولها الاجتماعية والثقافية، حيث إنها تعكس تعدد الثقافات والمواقع الاجتماعية، مضيفا: “تحدي الجالية الأكبر يكمن في قدرتها على التعامل مع المجتمع ككل من خلال القيم المشتركة، وكذلك في القدرة على الانخراط في الحياة السياسية التي تتجلى في انخراط أكثر من ألف مرشح فرنسي منحدر من عائلات عربية مسلمة في الانتخابات النيابية الفرنسية في عامي 2008 و2012 حتى ولو كانت النتيجة أسفرت عن فوز عدد قليل منهم فقط سنة 2012 لجملة من العوامل”.المسلم أقل حظا من المسيحي في ميدان العملويقول فؤاد نهرا: “وبالرغم من اعتماد النظام الفرنسي مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون وحظره للتمييز على أساس العرق والدين والجنس والمعتقد إلى جانب حظره الدعوة إلى الكراهية العرقية أو الدينية لكنه في غياب الإحصائيات الإثنية والدينية يمكننا إيجاز بعض المعطيات فيما يتعلق باندماج المسلمين في قطاعات الاقتصاد والإدارة، فبعض القطاعات مثل قطاع التعليم وقطاع الصحة لجأت الى استيعاب أعداد متزايدة من الموظفين من أصول عربية في التعليم مع التحقق أنهم يحترمون العلمانية”، معقبا: “لكن ثمة ظاهرة تشهدها القطاعات بصورة عامة صوّرتها عالمة الاجتماع ماري آن فالفور، التي بينت في دراسة سوسيولوجية إمبيريقية مع عدد كبير من العينات أن المسافة بين الإفريقي الأسود المسيحي والإفريقي الأسود المسلم أكبر من حيث الحظوظ في العمل من المسافة نفسها بينه وبين المسيحي الأبيض، وهو حال أوروبا اليوم”.هناك خلط بين الإسلام والإرهابوأرجع المتحدث ذلك إلى ظاهرة الإسلاموفوبيا الحديثة، إذ تبين، من خلال دراسة الخطاب السياسي الأوربي منذ أن احتل الإسلام عند البعض مكان الشيوعية كمصدر للتهديد المتخيل للمجتمع ولمجموع قيمه، أن 46 في المائة من أنصار اليمين الكلاسيكي و66 في المائة من أنصار الجبهة الوطنية المتطرفة و19 في المائة فقط من اليساريين يعتقدون أن الدين الإسلامي يدعو إلى العنف ويشكل أرضية للإرهاب: “وهذه الصور النمطية التي طورها الإعلام انعكست في تطور موقف اليمين المتطرف الذي كان معاديا لليهود في الثلاثينيات فأصبح معاديا للشيوعية في السبعينيات واستعاض عن العداء للشيوعية بعداء الإسلام في القرن الحالي. إن اليمين المتطرف يدعو إلى حرب شاملة على ما يسميه الإسلام السياسي. وفي الواقع تتوجه السياسة العدوانية لليمـــين الأقـــصى إلى المسلمـــــــين ككل، فالعـــديد مــن أنصـــــاره يعتمد علـــى نظريـــة “التبديــــل السكــــاني الكبـــــير” (Le grand remplacement) التي نظر له الكاتب المتطرف رينو كامو، ويقول فيها إن فرنسا تشهد تغييرا ديموغرافيا كبيرا من حيث استبدال الفرنسيين الأصليين بالجاليات المسلمة القادمة من الجنوب، وأنه يجب إعادة توطين الفرنسيين الأصليين وطرد المسلمين وإقفال المساجد”. ويضيف الأستاذ الجامعي: “غير أن تلك الأفكار ليست عامة، ففي وجه تيار يميني متطرف صاعد تحرص الأحزاب اليسارية والوسطية على التمييز الواضح بين مكافحة الإرهاب من جهة وحماية المسلمين من العنف من جهة ثانية”. شاشات التلفزيون تروج لظاهرة العداء للإسلاموأضاف متحدث “الخبر”: “طبعا ليست هناك جالية مسلمة، لأن الانتماء الديني ليس المحدد الأول للسلوك السياسي والاجتماعي في فرنسا، لكن لكثافة التبادل بين المسلمين ومحيطهم آثار إيجابية في تغيير نظرة المجتمع إليهم”، مضيف أن الدراسات أثبتت أن ظاهرة العداء للمسلمين أكبر لدى المجموعات التي لم تعايشهم والتي لم تعرفهم إلا عبر شاشات التلفزيون التي تعطي الأولوية لظاهرة العنف الديني عمليات القاعدة ثم داعش وغيرها، لهذا السبب، يؤكد فؤاد نهرا أن معايشة غير المسلمين للمسلمين تعتبر من أهم العوامل الإيجابية لتغيير صورة الإسلام المعتدى عليها في الإعلام، “لكن هذا لا يكفي فالعديد من القراء يعتمدون على قراءات ومصادر تعكس نظرة مختزلة للإسلام، ما يدل على أهمية انتشار الإنتاج الثقافي والفقهي الذي يعزز حوار الأديان وتفاعلها ويبرز الوجه الإنساني للدين الحنيف، وذلك علاوة على الاجتهاد المستمر الذي ييسر الاندماج في مكونات المجتمع الفرنسي والتعامل الإيجابي مع كافة قضاياه”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات