38serv
قال المؤرخ المختص في الديانات وصاحب قاموس “الإسلاموفوبيا”، كمال مزيتي، لـ”الخبر”، بأن مسلمي فرنسا وأوروبا اليوم يعيشون في قلق زاد حجمه، حيث أصبح الجيل السابق إلى جانب الشباب المسلم يعيشون حالة من الهلع، ويرى هؤلاء أنفسهم مجبرين على تقديم اعتذارات بسبب أفعال بذيئة اقترفها آخرون باسم الإسلام.مسلمو أوروبا رهائن الحركات الإسلاميةوفي الوقت نفسه، يقول كمال مزيتي إن المسلمين وجدوا أنفسهم رهينة الأعمال البربرية والحركات والتنظيمات الإسلامية (داعش وبوكوحرام مثلا) من جهة، والعنصريين وأحزاب سياسية أخرى معادية للإسلام (الجبهة الوطنية الفرنسية، بلوك الهوية بفرنسا، رابطة الشمال بإيطاليا، أوكيب ببريطانيا..) التي تغذي خطاباتها السياسية بالكراهية والخلط بين المسلمين والإرهاب، ويؤكد المتحدث أن الجهل هو العدو الأول للمسلمين وأن ذلك الخلط مرتبط أساسا بجهل الفرنسي بالإسلام، موضحا: “حتى أولئك الذين يظهرون بأنهم مسلمون وهم ليسوا كذلك، كمن يحمل اسم وردة أو فؤاد وهما لبنانيان مسيحيان وربما لا ديانة لهما وغيرهما، هم أيضا ضحايا أفعال الإسلاموفوبيا، لأنه ترسخ في أذهان الكثير من الناس أن من هو عربي فهو بالضرورة القطعية مسلم، ما يدفعنا للقول إن الجهل هو أكبر عدو بالنسبة للإنسان”.زيادة القلق أمام استفحال العنصرية وتنامي الإسلاموفوبياوأضاف المؤرخ بأن قلقه يزداد يوما بعد يوم أمام استفحال العنصرية بفرنسا وتنامي الإسلاموفوبيا التي لا تستثني أحدا، و«اليوم يشهد مسلمو فرنسا تغييرا أساسيا في الوقت الذي أصبحت فيه الهيئات الديمقراطية الفرنسية والأوروبية تحت ضغط بعض الوسائل الإعلامية الطماعة بافتتاحياتها المذهلة محدثة بذلك ضجة واسعة، بالإضافة إلى المسؤولين السياسيين الذين أخذوا من الإسلام شهرتهم التجارية الانتخابية، وهذا ما رأيناه مؤخرا عندما أقدم الشاب ياسين صالحي، بكل جبن وحشية، على قتل رب عمله ثم قطع رأسه قبل محاولته تفجير مصنع، وهو الفعل البربري الذي أثار ضجة إعلامية واسعة النطاق بفرنسا حول تهديد إرهابي من الحجم الكبير، قبل أن تنطلق التحقيقات القضائية للكشف عن خلفيات ما وقع، بالرغم من أن هذه الجريمة الجنونية الشنعاء لم تكن قد فصلت فيها النيابة على أن لديها دوافع عقائدية أو إيديولوجية أم لا”. وأشار محدثنا إلى أنه بعد مرور شهور من الأحداث الأخيرة التي شهدتها باريس (هجمات شارلي إيبدو، حجز الرهائن بالمتجر اليهودي بباب فانسان، ومقتل الشرطية بمونت روج) لا يزال مسلمو فرنسا يلاحظون تصدّر أسماء الأفراد من الانتماء الإسلامي (مراح، كواشي، كوليبالي، صالحي..) العناوين الأولى لوسائل الإعلام الفرنسية بمختلف أنواعها، وهي المعاينة التي تأتي مزدوجة في ظل المناخ الدولي الكارثي الذي تشهده المنطقة الجغرافية الإسلامية الأولى (سوريا، العراق، ليبيا، الصومال..). وهي الأمور التي تعيشها الجالية المسلمة الأوروبية اليوم بكل صعوبة، لاسيما أمام وضع الحكومات الأوروبية إجراءات استثنائية حيز التنفيذ، مثل قانون الاستعلامات الفرنسي الجديد الذي سيضع كل المواطنين أو المقيمين المسلمين تحت التصنت بالرغم من معارضة الإجراء ودق ناقوس الخطر من قِبل العديد من الأصوات تخوفا من عواقب هذا القانون، كما لمح إلى ذلك أيضا مؤخرا قاض مختص في مكافحة الإرهاب معربا عن قلقه من هذا الإجراء واصفا إياه بالسلاح ذي حدين.مضاعفة الترسانة التشريعية ليس الحل الأنجعويرى صاحب قاموس “الإسلاموفوبيا” أن العيش معا والديمقراطية مرتكزة على توازن منسجم بين الهيئات الثلاث التي تشكل عمود الدولة: السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويجب، حسب محدثنا، أن تسبق إجراءات القمع حملات تحسيسية للوقاية من المنظمات الجهادية: “وبالتالي فتعزيز ومضاعفة الترسانة التشريعية ضد الإرهاب ليس الحل الأنجع، فعلى الدولة أن تتصرف من الأعلى لمعرفة مصدر وعش الإرهاب والعنف الذي يغذيه بصفة عامة والأولوية يجب أن تعطى لقطاع التربية. وأنا مع الذين يفكرون بأن إدراج تعليم الديانات ضمن المنظومة التربوية شيء جيد”. مبرزا أن الأمر قد تأخر كثيرا: “لقد تم انتظار وقوع مجزرة الهجمات الأخيرة وتصاعد التطرف من أجل اتخاذ قرارات بناءة- إذا تم تطبيقها واتباعها طبعا- فحوار الحضارات والثقافات يمر عبر تعليم تاريخ العقائد أولا، خاصة أن الإخوان الفرنسيين اليوم في حاجة ماسة لمعرفة الدين الإسلامي والتعرف على التقدم الحضاري للإسلام، في الوقت الذي تجتاح فيه الصور الإرهابية الكارثية المسيئة للإسلام شاشات التلفزيون، من بينها الأفعال البشعة التي تقوم بها بوكوحرام وداعش الذين أخذوا عقيدة السلام رهينة أعمالهم الوحشية، والمسلمون هم الضحايا الأوائل والإسلاموفوبيا تتغذى من كل تلك الأمور”.مسلمو فرنسا عرضة لكل المشاكل الاجتماعية الفرنسيةوأبرز المتحدث بأن الأمر يتعلق بتشجيع العيش معا واحترام الاختلاف مع الآخر بعيدا عن الخلط الذي أصبح غذاء الخطابات السياسية والإعلامية، من حيث “إن الإسلام هو الديانة الثانية في المجتمع الفرنسي بحوالي 6 ملايين فرد، والإسلام يعد من أكبر الديانات الثلاث التي تحتضنها فرنسا إلى جانب المسيحية الكاثوليكية واليهودية التي هي ملزمة اليوم على التعارف فيما بينها وعدم الرضوخ لمحاولات زرع الرعب والتحريض على الكراهية من قِبل الذين يرغبون في إشعال فتيل النار، كالجبهة الوطنية الفرنسية لليمين المتطرف ومسؤولين سياسيين آخرين على رأس أحزاب فرنسية كبرى يحاولون زرع الخوف وخلق شهرتهم التجارية الانتخابية من الإسلام. والمسلمون أصبحوا اليوم عرضة لكل المشاكل الاجتماعية (انعدام الأمن والبطالة..) وعليهم تحمل عبء كل ذلك، لكن عليهم في المقابل إثبات وطنيتهم على أرض الميدان وعليهم الانشغال بالسياسة قبل أن تنشغل بهم”.ومثله مثل العديد من مسلمي فرنسا، أعرب كمال زميتي عن قلقه الشديد من الانتخابات الجهوية المقبلة بفرنسا والرئاسية القادمة لسنة 2017، أمام الاجتياح والانتشار الواسع لليمين المتطرف ورداءة الأحزاب الأخرى كحزب “الجمهوريين”، فيما أوضح متحدثنا بأنه ركز من خلال طرحه على العوامل الخارجية فقط لوضع الجالية المسلمة في فرنسا، مبقيا على جملة من العوامل التي تفسر أزمة الحضارة التي يعرفها مسلمو أوروبا والعالم ككل؛ والمرجع المدون منذ نصف قرن من قِبل مالك بن نبي تحت عنوان “شروط النهضة” الذي لا يزال يحتفظ بحداثته خير دليل على ذلك. وعلى مسلمي فرنسا والعالم أن يشكلوا قوة من أجل وضع حجر الأساس في إطار الوجود المشترك السلمي، وعليهم أن يعملوا كي يصبحوا فاعلين”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات