38serv
تعتبر الملكة إليزابيث الثانية، أو إليزابيث الكسندرا ماري، أطول ملوك بريطانيا عمرا وجلوسا وتربّعا على العرش حاملة التاج الملكي البريطاني، محطمة بذلك الرقم القياسي، وذلك بتخطيها فترة الستة عقود التي حكمت فيها جدتها الملكة فيكتوريا البلاد. تمتاز الملكة إليزابيث الثانية بشهرة استثنائية ليس في بريطانيا فحسب، كون معظم البريطانيين لم يعرفوا ملكة غيرها، بل إن وهج الملك التي تتربع على عرشه استقطب جل سكان العالم متابعين أحدث تفاصيلها ومترقبين أخبار ملكة تحكم بريطانيا العظمى ومماليك الكومنولث.فمنذ عام 1952 إلى 1992 أصبحت إليزابيث الثانية ملكة على بعض الممالك التي حصلت على استقلالها، والبعض الآخر تحول إلى جمهوريات، فاليوم بجانب المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا انضمت جامايكا وباربادوس والباهاماس وجرينادا بابو وجزر سليمان وتوفالو وسانت لوسيا وسانت فنسنت والجرينادين وبليز انتيغوا وباربودا وسانت كيتس ونيفيس.لعبة القدر.. المرشحة الثالثة لتولي العرشلم يكن من المتوقع أن تصل الملكة إليزابيث الثانية إلى سدة الحكم، فقد كانت المرشحة الثالثة لتولي العرش، وتلك كانت مقاربة غريبة في تصنيفها الملكي جمعت بينها وبين ملكة انجلترا العذراء إليزابيث الأولى، عندما استبعدت لفترة عن ولاية العرش بسبب شائعة خيانة والدتها “آن بولن”، لكن بما أن الملك هنري الثامن لم يكن لديه سوى وريث وحيد، الأمير إدوارد، وبما أنه بحاجة إلى تأمين الاستمرارية لسلالته، جعل كل من الأميرة ماري والأميرة إليزابيث الأولى وريثتين له، وبذلك أعيدت الأميرة إليزابيث الأولى في لائحة المرشحين، وأدرج اسمها في المرتبة الثالثة لخلافة العرش.وبعد عدة سنوات شاءت الأقدار أن تتخذ منحى لم يكن متوقعا، وهي أن تتبوأ الملكة إليزابيث الأولى ابنة الـ25 ربيعا أعلى منصب في البلاد لتصبح ملكة بريطانيا العظمى، وهو العمر نفسه الذي تسلمت فيه إليزابيث الثانية مقاليد الحكم وتربعت على عرش السلطة في سنة 16 فبراير 1952 وأصبحت منذ ذلك الوقت رئيسة الكومنولث وملكة سبعة دول مستقلة أعضاء في الكومنولث، وهي المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا وباكستان وسيلان، بعد أن كانت الملكة الدستورية لست عشرة دولة من مجموع 53 من دول الكومنولث التي ترأسها كما ترأس كنيسة انجلترا.والمقاربة الثانية كانت فترة حكم جدتها الملكة فيكتوريا، التي صنفت الأطول في تاريخ الحكم البريطاني، وسميت الحقبة التاريخية التي بلغت أوجها بـ«الحقبة الفيكتورية”، لما يمتاز به عهدها من ثورة صناعية وسياسية وعلمية وثقافية إضافة إلى المجال العسكري، ناهيك عن اتساع رقعة الإمبراطورية الانجليزية في عهدها، غير أن الملكة إليزابيث الثانية وبتاريخ 9 سبتمبر 2015 حطمت الرقم القياسي بالجلوس على عرش المملكة، الذي تعدى 63 عاما و7 أشهر و14 يوما، حاملة اللقب من جدتها الملكة فيكتوريا.شخصية مميزة ووقع مذهل من السلطةولدت إليزابيث الثانية في لندن في 21 أفريل 1926، حيث تلقت تعليما خاصا في منزلها يقتصر على التاريخ واللغة والأدب والموسيقى، كما تلقت دروسا في التاريخ الدستوري على يد نائب مدير جامعة ايتون “هنري مارتن” وتعلمت اللغة الفرنسية على يد مربيات فرنسيات، وتم تشكيل حركة الفتيات المرشدات خصيصا لكي تتمكن إليزابيث من تحقيق التواصل الاجتماعي والاختلاط مع بنات من نفس عمرها، وهي بذلك أول حركة تشكل في قصر بكنغهام، وصارت لاحقا عضوا في منظمة من المنظمات التوجيهية اشتهرت بحبها للخيول والكلاب. شخصية إليزابيث اتسمت بالانضباط والمسؤولية، فوصفها ونستون تشرشل وهي في الثانية من عمرها بأنها ذات شخصية مميزة تتصف بحس تأملي ووقع من السلطة مذهل منذ كانت طفلة. وذكرت مارجريت رودوس ابنة عم الملكة جانبا آخر من شخصيتها، وهي المرح وحسن السلوك وإحساسها المرهف.الوريثة المفترضة للعرش.. إعداد وتهيئة للمنصب منذ أن اعتلى الملك جورج السادس، والد إليزابيث، عرش انجلترا، بعدما تنازل له شقيقه ادوارد الثامن عنه في سنة 1936 أصبحت إليزابيث الوريث المفترض للعرش، فأعدت وهيأت نفسها لتقليد هذا المنصب. وكان دخول بريطانيا الحرب العالمية الثانية بمثابة محطة مهمة تشكلت إثرها شخصية الملكة المستقبلية وتجلت في سن مبكرة، حيث قامت الأميرة إليزابيث، رفقة شقيقتها الصغرى الأميرة مارغريت، بتنظيم التمثليات الصامتة أو الإيمائية في عيد الكريسماس لمساعدة الملكة في شراء الغزل لنسج ملابس الجيش، وفي عام 1940 قدمت إليزابيث أول بث إذاعي لها على قناة الـ«بي بي سي”، وهي في 14 من عمرها، تخاطب فيه الأطفال الذين تم إجلاؤهم من المدن بمقولتها الشهيرة: “إننا نحاول فعل كل ما بوسعنا من أجل مساندة جنودنا والبحارة والطيارين البواسل، كما نحاول أيضا تحمل نصيبنا من أسى وخطر الحرب، ونعلم جميعا أن في النهاية سيكون كل شيء على ما يرام”.في العام 1943 قامت إليزابيث بزيارة فرق المشاة، حيث منحت لها رتبة عقيد سنة 1942 وهي في 16 من عمرها، ومع تغيير القوانين في البلاط الملكي، ورغم أنها لم تبلغ 18 سنة، إلا أنها عينت كواحدة من 5 مستشارين للدولة في حال عجز والدها أو وجوده خارج البلاد. وفي سنة 1945 انضمت إليزابيث للخدمة الإقليمية الداعمة للمرأة باعتبارها ملازم أول كرتبة تشريفية، كما تدربت على القيادة والميكانيك لتتم ترقيتها قائدا فخريا بعد 5 أشهر.زوج الملكة إليزابيث.. أمير بلا وطن ولا مملكةلم يكن اعتراف الملكة المستقبلية لبريطانيا العظمى بحبها لزوجها الأمير فيليب مونتباتن دوق أدنبرة سابقة غريبة عن شخصيتها التي تتسم بالجرأة والصراحة، حيث اعترفت بحبها له بعد مقابلته للمرة الثانية في الكلية الملكية الحربية في دارتموث في سنة 1937 وهي بعد في 13 من عمرها، واستمرا حبهما إلى أن تم الإعلان عن خطوبتهما رسميا سنة 1947، وبالرغم من الاعتراضات الكثيرة على الزواج من قِبل مستشاري الملك على الأمير فيليب لعدة أسباب، من بينها وضعه المالي السيئ وولادته خارج بريطانيا ما يصنفه أميرا بلا وطن ولا مملكة، ناهيك عن أن أزواج أخواته من نبلاء ألمان على صلة بالنازية، ومع كل هذه الاعتراضات إلا أن زواج الأمير فيليب بالأميرة إليزابيث تم سنة 1947 بعد أن تخلى فيليب عن ألقابه الملكية التي حصل عليها من اليونان والدانمارك وتحوله من الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية إلى الكنيسة الأنجليكانية وموافقته بأخذ كنية عائلة والدته البريطانية ليمنح له لقب صاحب السمو الملكي دوق أدنبرة.اعتلاؤها العرشمنذ أن نصبت الملكة على عرش المملكة البريطانية قامت بزيارات تاريخية عديدة وعقدت اجتماعات، ومن ضمن الزيارات التاريخية زيارتها الرسمية إلى جمهورية ايرلندا، وكذلك أول زيارة رسمية من الرئيس الإيرلندي إلى بريطانيا العظمى، إضافة إلى زياراتها المتبادلة من وإلى البابا.وقد شهدت إليزابيث خلال حياتها التحول الدائم في الإمبراطورية البريطانية داخل كومنولث الأمم، وتغيرات دستورية كبرى كانتقال السلطة في المملكة المتحدة والتوطين الكندي وإنهاء الاستعمار في إفريقيا، كما حكمت إليزابيث الثانية العديد من ممالكها أثناء الحروب والصراعات الداخلية. ومازالت فترة حكمها تعتبر الحقبة الغنية سياسيا على الإطلاق كونها عاصرت 12 رئيسا للوزراء، هم: ونستون تشرشل وانطوني إيدن وهارولد ماكميلان إليك ودوغلاس هوم وهارولد ويلسون وادوارد هيث وجيمس كالاهان والسيدة مارغريت تاتشر وجون ميغر وتوني بلير وجوردون براون وديفيد كامرون.ديانا أميرة القلوب تختطف الأضواء في عاصمة الضبابرغم بساطة وعفوية أميرة ويلز زوجة الأمير تشارلز، ولي عهد الملكة إليزابيث الثانية، إلا أنها استطاعت في فترة قصيرة أن تصنع لنفسها شعبية لدى الشعب البريطاني، مهددة بذلك نفوذ وشهرة إليزابيث الثانية، وبدت كأنها تهدد وجود النظام الملكي، إلا أن موت أميرة القلوب الذي أثير حوله الكثير من الجدل وعديد نقاط الاستفهام، أنهى مسيرة أميرة كان من المحتمل أن تنافس شعبية ملكة بريطانيا، حيث استطاعت أن تقود المؤسسة التي يبلغ عمرها ألف عام إلى عهد جديد من الشعبية.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات