38serv
سُنّة الله في خلقه قضت بأنّ كلّ استعمار يقاومه الشّعب المستعمَر صائر إلى اضمحلال وبوار، فلا دوام له ولا بقاء له، وإن طال زمنه، ورجحت قوته العسكرية. وشواهد التاريخ على ذلك لا تعدّ ولا تحصى، وأكبر شاهد وأقربه ثورتنا التحريرية المظفرة. والغربيون -الأوربيون- يعرفون ذلك جيّدًا؛ ولذلك لمّا استعمروا الأمريكيتين وأستراليا حرصوا على إفناء شعوبها بوحشية لم تعرف البشرية مثلها! لأنّهم يعلمون علم اليقين أنّ الشّعب المستعمَر ما دام فيه عرق ينبض بالحرية، فسيأتي اليوم الّذي يثور فيه ويتأثّر، فأهلكوا شعوبًا وأممًا واستولوا على أرضهم وثرواتهم، وبها بنوا دولهم وامبراطورياتهم! الكيان الصهيوني يعدّ أبرز جيب استعماري صنعه الغربيون لتصدير مشكلة اليهوديّ الّتي كانت تؤرّق المجتمعات الأوروبية، فكان الحلّ الّذي سفرت عنه العقلية الاستعمارية الأوروبية هو إنشاء هذا الكيان الخبيث، فضربوا عصفورين بحجر: تخلّصوا من اليهود، وأوجدوا شرطيًّا مُطيعًا بالمنطقة! ومهما يكن فهذا الاستعمار الصّهيوني لا يخرج عن سنن الله في زوال الاستعمار وفناء المستعمِرين. بل إنّ زوال هذا الكيان قد تقرّر قبل وجوده في التّوراة [سفر أشعيا – سفر أرمياء] ثمّ في القرآن، وحسبك نبوءة يذكرها الله عزّ وجلّ في التّوراة ثمّ يكرّر إنزالها في القرآن الكريم أهمية وخطورة!هذه النبوءة العظيمة جاء ذكرها في سورة الإسراء الّتي تسمّى سورة بني إسرائيل أيضًا، يقول فيها الحقّ سبحانه: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْدًا مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيرًا}، فقوله تعالى: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ}، معناه: أعلمناهم وأخبرناهم بقضائنا النّافذ الّذي لا مردّ له فِي التوراة. فالكتاب هنا المقصود به التوراة إذ هو كتاب بني إسرائيل المنزل عليهم.والآيات واضحة في معناها؛ فهي تتكلّم عن حدثين هامين في تاريخ اليهود والمسجد الأقصى [الهيكل في زعمهم]، فيهما سُوء وجوههم، ودمار بيوتهم، وتسلّط عدوهم، وذلّهم وذهاب ريحهم وقوّتهم، بعد عُلوٍّ لهم وجبروت وإفساد في بيت المقدس وأكنافها. والّذي يهمّنا هنا هو أنّ المفسّرين قد اختلفوا في هاتين الإفسادتين، هل وقعتَا كلتاهما أم وقعت الأولى والثانية لمتقع بعد؟
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات