38serv
احتفلت دار عبد اللطيف بالجزائر العاصمة بمرور 3 قرون على تشييدها، وهي لا تزال صرحا ثقافيا يجتمع فيه الفن التشكيلي بالموسيقى الصوفية والكلاسيكية، وغيرها من الفنون الراقية التي تسعى الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي منذ 10 سنوات إلى إحيائها، بعد أن تعرضت الدار للتهميش والإهمال في فترة ما بعد الاستقلال، إلى أن جاء قرار بإعادة ترميمها عام 2006، حيث استعادت رونقها وجمالها، وعادت الروح التي سكنت في دار عبد اللطيف عبر العصور. تكشف أجندة دار عبد الطيف أن من زارها روائيون وفنانون من مختلف العصور والدول، على غرار نمرود من تشاد، ليغي غارنييري من إيطاليا، آندري غولاسيموف روسيا، وماثياس إينارد من فرنسا.تعتبر دار عبد اللطيف تحفة معمارية تاريخية، وهي تقع على بعد أمتار من مقام الشهيد، وبنيت وسط الغابة. ورغم مرور السنين فإن يد الإنسان لم تقم بتغيير الكثير من ملامحها، فقد حافظت على رونقها وشكلها الأول.وعايشت الدار مراحل مختلفة عبر فترة الحكم العثماني، حيث كانت إحدى الإقامات الصيفية لأعيان إيالة الجزائر، وكانت المنطقة التي تقع فيها الدار منطقة ريفية يطلق عليها اسم “الفحص”، وذلك لكثافة الأشجار والزهور، وهو ما نلمسه إلى غاية اليوم، حيث لا تزال المنطقة تتمتع بعذرية الطبيعة.غير أن سقوط إيالة الجزائر العثمانية تحت سلطات الاحتلال الفرنسي سنة 1830 جعل الدار تمر بمرحلة صعبة كادت تقضي على أسطورتها. ففي فترة الاستعمار الفرنسي حتى مرحلة ما بعد استقلال الجزائر، عرفت تغييرات فقط على مستوى مهمتها، حيث استغلها الاستعمار لتكون مستشفىً عسكريا، واستمرت على ذلك الحال لعدة سنوات في القرن الثامن عشر، قبل أن ينجح أحفاد عبد اللطيف سنة 1934، في استرجاعها عن طريق القانون، وهكذا عادت الدار إلى أهلها الذين قرروا بعد ذلك كراءها إلى يهودي يدعى موشي بن شيري، وبعد فترة قصيرة عاد تعلق قلب الاحتلال بالدار ليقرروا استئجارها ومن ثمة شراءها مجددا بمبلغ 75 ألف فرنك فرنسي قديم، وأصبحت جزءا من فضاء حديقة التجارب المعروفة اليوم بحديقة الحامة.تحولت دار عبد اللطيف فيما بعد إلى ورشة للفنانين التشكيليين، وصارت محطة تستقبل كبار المبدعين في هذا الفن، من أمثال أوجين دولاكروا، فرومنتين، شارل دوفران وأوغستين فيراندوولويس بيرتوم، منتصف القرن التاسع عشر، ووصفت تلك المرحلة بالفترة الذهبية في تاريخ دار عبد اللطيف، وهو ما تحاول السلطات اليوم إعادة إحيائه من خلال النشاطات الثقافية والفنية التي تستضيفها الدار من حين لآخر، وهي تستقبل لوحات الفنان العالمي ذي الأصول الجزائرية قوريش بومهدي، وتجمع الأدباء والروائيين من القارات الخمس في باحتها المميزة.سر التسمية.. عبد اللطيفحافظت دار عبد اللطيف على اسمها منذ قرون ولم تقم أي جهة بتغيير الاسم، حتى الاستعمار الفرنسي عندما قرر عام 1922 تصنيفها ضمن الآثار التاريخية المهمة، قرر عدم تغيير الاسم. وتشير الروايات التاريخية إلى أن أحمد عبد اللطيف هو آخر جزائري امتلك الدار بعقد، وقد كان بحسب العديد من المصادر رجلا ثريا عاشقا للثقافة، ويقال إنه كان وزيرا، عاش في القرن الثامن عشر زمن الجزائر العثمانية، ولا تزال هذه الدار شاهدة على عهده، كما تقول المصادر التاريخية أن الدار لم يبنها عبد اللطيف، لكنه فرض اسمه عليها حيا وميتا، بعد أن ألهمت الشعراء والفقهاء في عصرها الأول، ثم ألهمت الفنانين التشكيليين في عصرها الثاني، ويعود أقدم سند ملكية لهذه الدار إلى عام 1715، قبل أن تنتقل إلى ملكية العديد من الأعيان، ومنهم أحد وزراء البحرية. وفي عام 1795 اشتراها عبد اللطيف بمبلغ ألفي دينار ذهبي، ونظرا لأنه كان آخر جزائري امتلك هذه الدار فإنها بقيت تحمل اسمه إلى يومنا هذا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات