"الجزائريــون يحاربــون معنا ويقنصــون ويقتلـون"

38serv

+ -

لا يوجد حجر ساكن على هذه الأرض.. تلك التي اعتادت أن تنبت الشهداء في الصباح قررت أن يكون للمساء سمفونية غضب “طالعلك يا عدوي”، أو تلك التي تلامس خذلان العرب لأخت المرجلة في القدس! بين الملامح وقبضات أيادي الثوار للحجر، مزيج يميزه عن غيره من أجيال الانتفاضات السابقة، فربيع أعمارهم لم يتجاوز عمر صورة الشهيد محمد الدرة التي علقت على عتبات ذاكرة الوجع الفلسطينية، ووسيلتهم لمواجهة قناص “روغر” لم تتعد حدود المطبخ، حيث لمع السكين في بؤر المواجهة حتى تبعته فصيلة “المفكات”.بكوفية الملثم ومقلاع الثائرة التي برزت في الميدان وزادت المشهد جمالية، وصل لهيب الانتفاضة تباعًا من خلال الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام خلال المواجهات على نقاط التماس مع الاحتلال، حيث جسدت صورة الصليب الحاضرة في المواجهات حول عنق مناضل يلقي الحجارة، بمساعدة شبان وفتيات يرتدين الحجاب، وحدة البوصلة باتجاه القبعات المستديرة فوق رؤوس المستوطنين وبندقية قناص فوق أسوار الأقصى.الجندي هنا في متناول حجر الثائر على حاجز بيت أيل شمال رام الله وباب الزاوية في الخليل، حيث استحدث أحد الجنود درعا واقيا له من حجارة المنتفضين، فكانت حاوية القمامة هي الخيار وبات الشخص المناسب في المكان المناسب! في حين قرر أحد الشبان أخذ استراحة محارب بعد أن اختار أكبر الحجارة حجمًا، وأسند رأسه عليها مخاطبًا السماء بأن التحرير بات مسألة وقت، ولسان حاله “ذخيرتي من حولي، ولا مفر للعدو، فمصيره الخروج من تلك الحاوية لتصطاده حجارتي”.نومته الهانئة وتحت رأسه صخرة وسط زخات من الرصاص وقنابل الغاز جعلت كل من شاهده على يقين بأن الحجر يتشكل كيفما يريده الثائر، فتارة يصبح وسادة ضاهت ريش النعام بنعومتها وتارة قطع جمر ملتهبة لا تبقي ولا تذر..في الصور الواردة من مواجهات بيت أيل في رام الله وبيت لحم، يستحضر الفلسطينيون ثورة المليون شهيد ويلتحفون العلم الجزائري، فظهرت صورة شاب فلسطيني يركض بمقلعه وراء جندي صهيوني فيصيبه بين عينيه، فيهدي عمله المقاوم لروح وعاشقة فلسطين، الجزائر وأهلها، سألناه: رأينا الكثير من الشبان يتوشحون العلم الجزائري؟ فرد بلغته الثائرة “الجزائر تحارب معنا هنا، وتقنص وتقتل”، ويرفع الفلسطينيون علمها تيمناً بما أنجزت الجزائر من ثورتها بالتخلص من الاستعمار الفرنسي.

وفي بيت لحم كان بلد المليون شهيد حاضرا في المواجهات مع الاحتلال، فتوشح الشبان العلم الجزائري وصاروا قنابل متفجرة نحو تجمع لجنود الاحتلال وهم يهتفون “وكأننا نرى في تحرير الجزائر أملاً في تحريننا”. في أقصى الشرق من ذاك الوطن المشتعل أغلقوا سوق القدس القديمة بعد تنفيذ الشهيد مهند حلبي مفجر الانتفاضة عملية طعن أسفرت عن مقتل مستوطنين وإصابة آخرين.على ناصية الحلم تساءل المسن أبو عائد “وهل يظنون أننا بحاجة لدكاكين العود والبخور بعد اليوم؟ عطر الشهيد يكفينا أيها المحتل”، ذاك العطر فاح شذاه حينما رابطت المقدسيات في تلك الشوارع بعد تحويلها لمزار للمستوطنين ونشر اليافطات الاستفزازية والهتافات العنصرية بحماية شرطة الاحتلال، وامتزج بخور العطارين بدم شروق دويات (18 عامًا) بعدما أطلق مستوطن عليها النار بدم بارد لرفضها خلع الحجاب. أمسك المسن أبو عائد بمذياعه الرمادي اللون كخوذة ذاك الجندي باهتة المعالم، لعله يستمع إلى خبر يشفي غليله بعد صرخات دويات ألمًا والتي تلاشت تدريجيًا كما رائحة الكعك التي كانت ترافقه في الطرقات بعد فرض حصار على المدينة، ومنع دخول المصلين للبلدة القديمة والمسجد الأقصى بعد تكرار عمليات الطعن.اقترب أحدهم من المسن ليريه عبر هاتفه المحمول صورًا من اشتباكات الضفة والداخل المحتل، فاستوقفته صورة فتاة ملثمة بالكوفية تمد يدها نحو أحد الشباب لتقدم الحجارة له، وهنا صرخ الحاج في الصورة وردد “خذ منها فإنها ثائرة وإنها انتفاضتكما”. “أريدك ثورية، تحب رائحة البارود”فيما تثير المشاهد الآتية من هناك النخوة والرجولة وتصنع البطل.. هي لتلك الفتيات المتوشحات بالعلم الفلسطيني أو الكوفية والمتسلحات بالحجارة، هذه الصور والمشاهد هي ملامح الفلسطيني البطل صاحب الشهادة والتضحيات، لهؤلاء الأخوات وأولئك الإخوة تنحني الهامات والقبعات تقديراً واحتراماً. الفتاة الفلسطينية في عباءتها وبنطالها هي عنوان نضالي؛ شاهدناها مرابطة تذود عن الأقصى وحرمات المسلمين في القدس، وشاهدناها بالعلم الفلسطيني وبالكوفية ترجم بحجارتها جيش المحتلين، وتطعن بسكينها قطعان المستوطنين.بسمتكم ثورة!الثوار يعلمون جيدًا بأن ابتسامتهم تغيظ المحتل حينًا وتربكه أحيانًا، فزادوا من رقعتها على محياهم حتى كادت تصل حد الأذنين، كتلك التي أهدتها الثائرة الصغيرة شيماء أحمد لفلاش الكاميرات لحظة اعتقالها بعد مشاركتها في مظاهرة نصرة للقدس في مدينة الناصرة بالداخل المحتل. مدن المثلث في الداخل الفلسطيني تنتفض هي الأخرى رغم حالة التضييق الأمني التي تشهدها، إلا أن بسمة شيماء كانت ثورة رغم معاصمها المكبلة.ذاك الداخل الذي زفر الآه قهرًا بعد أن تابع فيديو مؤثرا لابنة العفولة إسراء عابد، والتي لم تكن تحمل أي سكين فيما كان الجنود يطلبون منها خلع ثيابها وإلقاء كل ما معها، إلا أنها لم تفعل ذلك، حيث بدت مرتبكة بشدة وكأنها لا تفهم ما يقوله، قبل أن يتم إطلاق النار عليها وإصابتها. صرخة عابد وصلت إلى مسامع ابن السادسة عشر إسحاق بدران من بلدة كفر عقب قضاء القدس، ففرغ غضبه بطعن اثنين من الحيريديم الصهاينة قبل إطلاق النار عليه.الشهيد بدران ترك خلفه رواية تتسلل أحداثها تباعا في صور تنوقلت له قبل تنفيذ العملية وخلالها وبعد أن حمل لقب الشهيد.. وتوحدت موجة البث عبر ذاك المذياع، وترانيم “طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع” أخافت رئيس وزراء الاحتلال نتانياهو، فبعث رسالة لرئيس السلطة محمود عباس “امنع الأغاني الوطنية في وسائل الإعلام”!ذاك الخوف والهوس الإسرائيلي لم يتولد من حجر الملثم ومقلاع الثائرة وسكين المرابط، فتلك الأغاني الثورية تعيدهم إلى زمن قُهر فيه جيشهم الذي ادعوا يومًا بأنه لا يهزم. تلك وهذه وثيقة شهادة على أننا شعب يستحق حياة العزة والكرامة.. دمت شعبنا، وعاشت أرضك يا فلسطين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات