38serv
وضع “اتفاق السلام والمصالحة” بين طرفي الصراع في مالي، المنبثق عما يسمى “مسار الجزائر”، حدا نهائيا لرغبة بعض الحركات المسلحة سحب التسيير الأمني والعسكري لمناطق الشمال من الحكومة المركزية في باماكو. ويقرأ مراقبون في الاتفاق المبرم، أول أمس، بالجزائر، طغيان المقاربة الفرنسية للأزمة في مالي.وقال الدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي، بخصوص مضمون الاتفاق الأولي، لـ«الخبر”، إن الخطوة التي توصل إليها طرفا النزاع “لم تكن ممكنة من دون تدخل فرنسا، فللفرنسيين وجود تاريخي سياسي واقتصادي وإنساني وخاصة عسكري في مالي. ولهم صداقات قوية في الطبقة السياسية المالية”. مشيرا إلى أن فرنسا “تملك عمقا إستراتيجيا واحدا في العالم هو إفريقيا، فهي تفتقد لأي نفوذ في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ومن الطبيعي أن تضع كامل قوتها في الأزمات التي تعيشها إفريقيا للتأثير على موازين القوى”.ولاحظ رحابي، الذي كان وزيرا للاتصال وسفيرا للجزائر بإسبانيا، أن فرنسا تملك قواعد عسكرية في النيجر وتشاد، ولديها قوة للتدخل السريع يفتقدها الاتحاد الإفريقي بكامل دوله التي يفوق عددها الـ50. وانعكست هذه القوة، حسبه، على اتفاق السلام الأولي الذي سبقته نماذج مشابهة كثيرة، وبرعاية جزائرية ولكنها لم تصمد طويلا، وغالبا ما عادت المواجهة المسلحة بين الحكومة في باماكو والتنظيمات المسيطرة على الشمال، أو ما يسمى منطقة أزواد.وعلى عكس ما ينسب للدبلوماسية الجزائرية بأنها هي من هندست الاتفاق، على أساس أنها هي من جمعت ممثلي الحكومة والحركات الست المسلحة، يرى رحابي أن الجزائر “تراجع نفوذها كثيرا في إفريقيا خلال 14 سنة الماضية، ولما حاولت العودة إلى الساحة الإفريقية عن طريق الوساطة في ملف مالي، بقيت محاولتها ضعيفة لأسباب بديهية. ففي مالي ودول الساحل لا توجد شركات وبنوك جزائرية، ليس هناك تواجد إنساني عبر جمعيات ومؤسسات خيرية. الجزائر لا تؤطر ولا تكوّن أئمة في مالي. ليس للجزائر أنشطة تجارية ولا توجد مدرسة جزائرية في الساحل، فهل فكرت اتصالات الجزائر في إقامة مشاريع في إفريقيا كما فعلت شركة اتصالات المغرب؟”. وأضاف: “هذه هي مقومات السياسة الخارجية التي غابت عن السلطات الجزائرية في السنوات الماضية، وحل محلها تجاهل كامل للعلاقات مع إفريقيا. يكفي فقط أن نعلم أن الرئيس بوتفليقة لم يجر زيارة ثنائية مع أي دولة إفريقية بما فيها المجاورة مثل مالي والنيجر، فيما زار الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد كل القارة مرتين خلال فترة حكمه. أما الرئيس اليمين زروال فقد أدى زيارة للنيجر ومالي وموريتانيا عام 1996، في عز الأزمة الأمنية ببلادنا، فكيف إذن يمكن للجزائر أن تؤدي دورا محوريا في مساعي البحث عن حل لمشاكل مالي؟ ومن أين لها أن تؤثر على اتفاق السلام؟”.وبخصوص الدور الأمريكي في الملف، ذكر رحابي أن الولايات المتحدة الأمريكية “تفضل أن تتدخل عن بعد. فهي تعتبر المنطقة مصدر إرهاب وأن تهديد الإرهابيين أصبح قريبا من سواحلها بالأطلسي، طالما أنه وصل إلى الضفة الإفريقية من الأطلسي. ويرى الأمريكيون أن الإرهاب لا ينبغي أن يتمدد خارج الحدود التي هو فيها حاليا، بعدما تقدم من أفغانستان إلى الساحل. أما بالنسبة لأوروبا، فإن فضاء شنغن يبدأ من مالي”.وتحمل وثيقة الاتفاق، التي جاءت في حوالي 40 صفحة، تحوز “الخبر” نسخة منها، تفاصيل جديدة فيما يخص مسائل الدفاع والأمن في إقليم أزواد. أهم ما جاء فيها أن قوى الجيش والأمن المالية موحدة، وتقع تحت مسؤولية الدولة المركزية. وأن قوات الجيش والشرطة ستعود إلى مناطق الشمال بصفة تدريجية. وبذلك فالاتفاق سحب من التنظيمات المسلحة ورقة ضغط استعملوها في المفاوضات، تتمثل في استحداث كيان أمني خاص بالشمال، ضمن حكم ذاتي تم طرحه في الحوار ورفضته باماكو بقوة.وتمت الإشارة في الوثيقة إلى “شمولية تمثيل كل سكان مالي ضمن صفوف قوات الأمن والجيش”، ومعنى ذلك أن الباب مفتوح لأبناء كيدال وغاو وتومبوكتو، ليكونوا أعضاء في المنظومة الأمنية والعسكرية للبلاد.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات